Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 7-9)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول عزّ وجلّ مخبراً عن المشركين في كفرهم وعنادهم ، إنهم إذا تتلى عليهم آيات الله { بَيِّنَاتٍ } أي في حال بيانها ووضوحها وجلائها ، يقولون : { هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي سحر واضح وقد كذبوا وافتروا وضلوا وكفروا ، { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم ، قال الله عزّ وجلّ : { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني ، وليس كذلك لعاقبني أشد العقوبة ، ولم يقدر أحد من أهل الأرض لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه ، كقوله تبارك وتعالى : { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } [ الجن : 22 ] ، وقال تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } [ الحاقة : 44 - 45 ] ولهذا قال سبحانه وتعالى هٰهنا : { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } هذا تهديد لهم ووعيد أكيد ، وترهيب شديد ، وقوله جل وعلا : { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ترغيب لهم إلى التوبة والإنابة ، أي ومع هذا كله إن رجعتم وتبتم تاب الله عليكم ، وعفا عنكم وغفر ورحم ، وهذه الآية كقوله عزّ وجلّ : { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الفرقان : 6 ] ، وقوله تبارك وتعالى : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } أي لست بأول رسول طرق العالم ، بل قد جاءت الرسل من قبلي ، فما أنا بالأمر الذي لا نظير له حتى تستنكروني وتستبعدون بعثتي إليكم ، فإنه قد أرسل الله جل وعلا قبلي جميع الأنبياء إلى الأمم ، قال ابن عباس ومجاهد { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } ما أنا بأول رسول بُعث إلى الناس . وقوله تعالى : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } قال ابن عباس : نزل بعدها { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] وقال الضحاك : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي ما أدري بماذا أومر وبماذا أنهى بعد هذا ؟ وقال الحسن البصري في قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أما في الآخرة فمعاذ الله وقد علم أنه في الجنة ، ولكن قال : لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا ، أخرج كما أخرجت الأنبياء ؟ أم أُقْتل كما قتلت الأنبياء من قبلي ؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة ؟ ولا شك أن هذا هو اللائق به صلى الله عليه وسلم ، فإنه بالنسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه ؛ وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره وأمر مشركي قريش ، إلى ماذا أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون ، فيستأصلون بكفرهم ؟ فأما الحديث الذي رواه ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء - " وكانت بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - قالت : طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين ( عثمان بن مظعون ) رضي الله عنه ، فاشتكى عثمان فمرَّضناه حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه ، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب شهادتي عليك ، لقد أكرمك الله عزَّ وجلَّ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما يدريك أن الله تعالى أكرمه ؟ " فقلت : لا أدري بأبي أنت وأمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمّا هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ، قالت : فقلت : والله لا أزكي أحداً بعده أبداً ، وأحزنني ذلك ، فنمت فرأيت لعثمان رضي الله عنه عيناً تجري ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك ، فقال رسول والله صلى الله عليه سلم : " ذاك عمله " " " وفي لفظ : " ما أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل به " - وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ ، بدليل قولها ؛ فأحزنني ذلك - ففي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعيّن بالجنة ، إلاّ الذي نص الشارع على تعيينهم كالعشرة المبشرين بالجنة ، والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة وما أشبههم وقوله : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } أي إنما أتبع ما ينزله الله عليّ من الوحي ، { وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي بيّن النذارة أمري ظاهر ، لكل ذي لب وعقل ، والله أعلم .