Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 29-29)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسوله حقاً بلا شك ولا ريب فقال : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } وهو مشتمل على كل وصف جميل ، ثم ثنَّى بالثناء على أصحابه رضي الله عنهم فقال : { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } ، كما قال عزّ وجلّ : { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ المائدة : 54 ] وهذه صفة المؤمنين ، أن يكون أحدهم شديداً على الكفار ، رحيماً بالأخيار ، عبوساً في وجه الكافر ، بشوشاً في وجه المؤمن ، كما قال تعالى : { وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً } [ التوبة : 123 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " وفي الصحيح : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " ، وشبّك بين أصابعه . وقوله سبحانه وتعالى : { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } وصفهم بكثرة الصلاة ، وهي خير الأعمال ، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عزّ وجلّ ، والاحتساب عند الله تعالى جزيل الثواب ، وهو ( الجنة ) المشتملة على فضل الله عزَّ وجلَّ ، ورضاه تعالى عنهم وهو أكبر من الأول ، كما قال جل وعلا : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] وقوله جل جلاله : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } قال ابن عباس : يعني السمت الحسن ، وقال مجاهد : يعني الخشوع والتواضع ، وقال السدي : الصلاة تحسّن وجوههم ، وقال بعض السلف : من كثرت صلاته بالليل حَسُن وجهه بالنهار . وقال بعضهم : إن للحسنة نوراً . في القلب ، وضياء في الوجه ، وسعة في الرزق ، ومحبة في قلوب الناس . وقال عثمان رضي الله عنه : " ما أسرّ أحد سريرة إلاّ أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه " والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه ، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله تعالى ، أصلح الله عزَّ وجلَّ ظاهره للناس ، كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته " ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أسر أحد سريرة إلاّ ألبسه الله تعالى رداءها إن خيراً فخير وإن شراً فشر " وفي الحديث : " إن الهدي الصالح ، والسمت الصالح ، والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة " ، فالصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم ، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم ، وقال مالك رضي الله عنه : بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون : والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا ، وصدقوا في ذلك ، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة ، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد نوّه الله تبارك وتعالى بذكرهم ، في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة ، ولهذا قال سبحانه وتعالى هٰهنا : { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ } ، ثم قال : { وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } أي فراخه { فَآزَرَهُ } أي شدّه { فَٱسْتَغْلَظَ } أي شبّ وطال { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } أي فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، آزروه وأيدوه ونصروه ، فهم معه كالشطء مع الزرع { لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } ، ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم ، قال : لأنهم يغيظونهم ، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية ، ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك . والأحاديث في فضل الصحابة رضي الله عنهم ، والنهي عن التعرض لهم بمساويهم كثيرة ، ويكفيهم ثناء الله عليهم ، ورضاه عنهم ، ثم قال تبارك وتعالى : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم } من هذه لبيان الجنس { مَّغْفِرَةً } أي لذنوبهم { وَأَجْراً عَظِيماً } أي ثواباً جزيلاً ، ورزقاً كريماً ، ووعد الله حق وصدق ، لا يخلف ولا يبدل ، وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي الله عنهم فهو في حكمهم ، ولهم الفضل والسبق والكمال ، الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة ، رضي الله عنهم وأرضاهم ، وجعل جنات الفردوس مأواهم . ورى مسلم في " صحيحه " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده ، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ، ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه " .