Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 1-3)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه آيات آدّب الله تعالى بها عباده المؤمنين ، فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام ، والتبجيل والإعظام ، فقال تبارك وتعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي لا تسرعوا في الأشياء بين يديه أي قبله ، بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور ، قال ابن عباس : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه ، وقال مجاهد : لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه ، وقال الضحّاك : لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله من شرائع دينكم ، وقال الحسن البصري : لا تدعوا قبل الإمام ، وقال قتادة : ذكر لنا أن ناساً كانوا يقولون : لو أنزل في كذا وكذا ، لو صح كذا ، فكره الله تعالى ذلك ، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فيما أمركم به { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } أي لأقوالكم { عَلِيمٌ } بنياتكم ، وقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } هذا أدب ثان أدّب الله تعالى به المؤمنين ، أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته ، وقد روي أنها نزلت في الشيخين ( أبي بكر ) و ( عمر ) رضي الله عنهما ، روى البخاري عن ابن أبي مليكة قال : " كاد الخيّران أن يهلكا ( أبو بكر ) و ( عمر ) رضي الله عنهما ، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم ، حين قدم عليه ركب بني تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس رضي الله عنه أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر ، قال نافع : لا أحفظ اسمه ، فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما : ما أردت إلاّ خلافي ، قال : ما أردت خلافك ، فارتفعت أصواتهما في ذلك ، فأنزل الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } قال ابن الزبير : فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه " وفي رواية أخرى له قال : " قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه : أمّر ( القعقاع بن معبد ) ، وقال عمر رضي الله عنه : بل أمّر ( الأقرع بن حابس ) فقال أبو بكر رضي الله عنه : ما أردت إلاّ خلافي ، فقال عمر رضي الله عنه ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما : فنزلت في ذلك : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } حتى انقضت الآية { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ } الآية " ، أخرجه البخاري . وروى الحافظ البزار ، عن أبي بكر رضي الله عنه قال : " لما نزلت هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } قلت : يا رسول الله والله لا أكلمك إلاّ كأخي السرار " وروى البخاري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ( ثابت بن قيس ) رضي الله عنه ، فقال رجل : يا رسول الله أنا أعلم لك علمه ، فأتاه فوجده في بيته منكساً رأسه ، فقال له : ما شأنك ؟ فقال : شر ، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار ، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال : كذا وكذا ، قال موسى : فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة ، فقال : " اذهب إليه فقل له : إنك لست من أهل النار ، ولكنك من أهل الجنة " " . وروى الإمام أحمد ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " لما نزلت هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } إلى قوله - { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } ، وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت ، فقال : أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنا من أهل النار ، حبط عملي ، وجلس في أهله حزيناً ، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق بعض القوم إليه ، فقالوا له : تَفقَّدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مالك ؟ قال : أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول ، حبط عملي أنا من أهل النار ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ، بل هو من أهل الجنة " . قال أنَس رضي الله عنه : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ، ونحن نعلم أنه من أهل الجنة ، فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف ، فجاء ثابت بن قيس بن شماس ، وقد تحنط ولبس كفنه ، فقال : بئسما تعوّدون أقرانكم ، فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه . وفي رواية : فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أما ترضى أن تعيش حميداً ، وتقتل شهيداً ، وتدخل الجنة ؟ " فقال : رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا أرفع صوتي أبداً على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، قال : وأنزل الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } الآية . وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين ، كذلك فقد نهى الله عزَّ وجلَّ عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء ، فقال : أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال : من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف ، فقال : لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً . وقال العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام ، لأنه محترم حياً ، وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائماً ، ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه ، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم ، ولهذا قال تبارك وتعالى : { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } ، كما قال تعالى : { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } [ النور : 63 ] ، وقوله عزّ وجل : { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده ، خشية أن يغضب من ذلك ، فيغضب الله تعالى لغضبه ، فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري ، كما جاء في الصحيح : " إن الرجل ليتكلم الكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يكتب له بها الجنة ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض " ، ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك ورشد إليه ورغب فيه ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } أي أخلصها لها وجعلها أهلاً ومحلاً { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } . وعن مجاهد قال : كُتِب إلى عمر ، يا أمير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل ، أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها ؟ فكتب عمر رضي الله عنه : إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } .