Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 6-8)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له ، وقد نهى الله عزَّ وجلَّ عن اتباع سبيل المفسدين ، ومن ها هنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال ، لاحتمال فسقه في نفس الأمر ، وقبلها آخرون ، وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في ( الوليد بن عقبة بن أبي معيط ) حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق ، وقد روي ذلك من طرق : قال الإمام أحمد ، عن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي رضي الله عنه قال : " قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام ، فدخلت فيه وأقررت به ، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها ، وقلت : يا رسول الله أرجع إليهم ، فأدعوهم إلى الإسلام ، وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته ، وترسل إليّ يا رسول الله رسولاً إبَّان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة ، فلما جمع الحارث الزكاة من استجاب له ، وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه ، احتبس عليه الرسول ، ولم يأته ، وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله ، فدعا بسروات قومه ، فقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقّت لي وقتاً يرسل إليَّ رسوله ، ليقبض ما كان عندي من الزكاة ، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلاّ من سخطه ، فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الوليد بن عقبة ) إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق - أي خاف - فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعث البعث إلى الحارث رضي الله عنه ، وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث ، فقالوا : هذا الحارث ، فلما غشيهم قال لهم : إلى من بعثتم ؟ قالوا : إليك ، قال : ولم ؟ قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك ( الوليد بن عقبة ) فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله ، قال رضي الله عنه : لا والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة ، ولا أتاني ، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟ " قال : لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني ، وما أقبلت إلاّ حين احتبس علي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خشيت أن يكون كونت سخطة من الله تعالى ورسوله ، قال : فنزلت الحجرات : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } - إلى قوله - { حَكِيمٌ } " . وروى ابن جرير ، " عن أُم سلمة رضي الله عنها قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة ، فسمع بذلك القوم ، فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله ، قالت : فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، قالت : فبلغ القوم رجوعه ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصفوا له حين صلى الظهر ، فقالوا : نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله ، بعثت إلينا رجلاً مصدقاً ، فسررنا بذلك ، وقرت به أعيننا ، ثم إنه رجع من بعض الطريق ، فخشينا أن يكون ذلك غضباً من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزالوا يكلمونه ، حتى جاء بلال رضي الله عنه ، فأذن بصلاة العصر ، قالت : ونزلت : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } " وقال مجاهد وقتادة : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الوليد بن عقبة ) إلى بني المصطلق ليصدقهم ، فتلقوه بالصدقة فرجع ، فقال : إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك ، زاد قتادة : وإنهم قد ارتدوا عن الإسلام ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إليهم ، وأمره أن يتثبت ولا يعجل ، فانطلق حتى أتاهم ليلاً . فبعث عيونه ، فلما جاءوا أخبروا خالداً رضي الله عنه أنهم مستمسكون بالإسلام ، وسمعوا أذانهم وصلاتهم ، فلما أصبحوا أتاهم خالد رضي الله عنه فرأى الذي يعجبه ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وكذا ذكر غير واحد من السلف : أنها نزلت في ( الوليد بن عقبة ) ، والله أعلم . وقوله تعالى : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } أي اعلموا أن بين أظهركم رسول الله ، فعظّموه ووقّروه ، وتأدّبوا معه وانقادوا لأمره ، فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم ، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم ، { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } أي لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم ، كما قال سبحانه : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } [ المؤمنون : 71 ] ، وقوله عزّ وجلّ : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي حببه إلى نفوسكم ، وحسّنه في قلوبكم ، عن أنَس رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الإسلام علانية والإيمان في القلب " ، ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات ثم يقول : " التقوى هٰهنا ، التقوى هٰهنا " ، { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ } أي وبغض إليكم الكفر والفسوق وهي الذنوب الكبار ، والعصيان وهي جميع المعاصي وهذا تدريج لكمال النعمة ، وقوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } أي المتصفون بهذه الصفة هم الراشدون الذين قد آتاهم الله رشدهم ، عن أبي رفاعة الزرقي ، عن أبيه قال : " لما كان يوم أُحُد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استووا حتى أثني على ربي عزّ وجلّ " ، فصاروا خلفه صفوفاً ، فقال صلى الله عليه وسلم : " اللهم لك الحمد كله ، اللهم لا قابض لما بسطت ، ولا باسط لما قبضت ، ولا هادي لمن أضللت ، ولا مضل لمن هديت ، ولا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت ، ولا مقرب لما باعدت ، ولا مباعد لما قربت ، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك ، اللهم إني أسألك النعيم المقيم ، الذي لا يحول ولا يزول ، اللهم أسألك النعيم يوم العيلة ، والأمن يوم الخوف ، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا ، ومن شر ما منعتنا ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ، اللهم توفنا مسلمين ، وأحينا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، غير خزايا ولا مفتونين ، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذِّبون رسلك ، ويصدُّون عن سبيلك ، واجعل عليهم رجزك وعذابك ، اللهم قاتل الكفرة الذين أُوتوا الكتاب إلٰه الحق " " وفي الحديث المرفوع : " من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن " ، ثم قال : { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً } أي هذا العطاء الذي منحكموه ، هو فضل منه عليكم ، ونعمة من لدنه { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عليم بمن يستحق الهداية ، ممن يستحق الغواية ، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره .