Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 17-18)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً وحاكياً بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم وهو عبد من عباد الله ، وخلق من خلقه أنه هو الله ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ، ثم قال مخبراً عن قدرته على الأشياء وكونها تحت قهره وسلطانه { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } أي لو أراد ذلك فمن ذا الذي كان يمنعه منه ؟ أو من ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك ؟ ثم قال : { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } أي جميع الموجودات ملكه وخلقه وهو القادر على ما يشاء لا يسأل عما يفعل بقدرته وسلطانه وعدله وعظمته ، وهذا رد على النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ، ثم قال تعالى راداً على اليهود والنصارى في كذبهم وافترائهم : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } أي نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية وهو يحبنا ، ونقلوا عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده إسرائيل : أنت ابني بكري ، فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه ، وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم . وقالوا : هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام ، كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم : إني ذاهب إلى أبي وأبيكم يعني ربي وربكم ، ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من البنوة ما ادعوها في عيسى عليه السلام ، وإنما أرادوا من ذلك معزتهم لديه وحظوتهم عنده ، ولهذا قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه . قال الله تعالى راداً عليهم : { قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم } أي لو كنتم كما تدعون أبناءه وأحباءه فلم أعد لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم ؟ وقد قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء : أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه ؟ فلم يرد عليه ، فتلا عليه الصوفي هذه الآية : { قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم } ؟ وهذا الذي قال حسن . { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } أي لكم أسوة أمثالكم من بني آدم وهو سبحانه الحاكم في جميع عباده { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } أي هو فعال لما يريد لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ، { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي المرجع والمآب إليه فيحكم في عباده بما يشاء وهو العادل الذي لا يجور . وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمانُ بن آصا ، وبحري بن عمرو ، وشاس بن عدي فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا يا محمد ! نحن والله أبناء الله وأحباؤه ؛ كقول النصارى ، فأنزل الله فيهم : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } الآية .