Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 72-75)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى حاكماً بتكفير فرق النصارى ممن قال منهم بأن المسيح هو الله ، - تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس علواً كبيراً - هذا وقد تقدم لهم أن المسيح عبد الله ورسوله ، وكان أول كلمة نطق بها وهو صغير في المهد أن قال : { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ } [ مريم : 30 ] ، ولم يقل إني أنا الله ولا ابن الله ، بل قال : { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } [ مريم : 30 ] ، وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبوته آمراً لهم بعبادة الله ربه وربهم وحده لا شريك له ، ولهذا قال تعالى : { وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } أي فيعبد معه غيره { فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ } أي فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنة ، كما قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ، 116 ] . وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً ينادي في الناس : " إن الجنة لا يدخلها إلاّ نفس مسلمة " وفي لفظ " مؤمنة " ، ولهذا قال تعالى : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } أي وما له عند الله ناصر ولا معين ولا منقذ مما هو فيه . وقوله : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } ، الصحيح أنها أنزلت في النصارى خاصة ، قاله مجاهد وغير واحد ، ثم اختلفوا في ذلك ، فقيل : المراد بذلك كفارهم في قولهم بالأقانيم الثلاثة ، وهو أقنوم الأب ، وأقنوم الابن ، وأقنوم الكلمة المنبثقة من الأب إلى الابن ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً . قال ابن جرير وغيره : والطوائف الثلاثة من الملكية واليعقوبية والنسطورية تقول بهذه الأقانيم ، وهم مختلفون فيها اختلافاً متبايناً ، ليس هذا موضع بسطه ، وكل فرقة منهم تكفر الأخرى ، والحق أن الثلاثة كافرة . وقال السدي وغيره : نزلت في جعلهم المسيح وأمه إلهين مع الله ، فجعلوا الله ثالث ثلاثة بهذا الاعتبار ، وهي كقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ } [ المائدة : 116 ] الآية ، وهذا القول هو الأظهر ، والله أعلم . قال الله تعالى : { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي ليس متعدداً بل هو وحده لا شريك له ، إله جميع الكائنات وسائر الموجودات ، ثم قال تعالى متوعداً لهم ومتهدداًَ : { وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ } أي من هذا الافتراء والكذب { لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي في الآخرة من الأغلال والنكال ، ثم قال : { أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ؟ وهذا من كرمه تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه مع هذا الذنب العظيم ، وهذا الافتراء والكذب والإفك يدعوهم إلى التوبة والمغفرة ، فكل من تاب إليه تاب عليه . وقوله تعالى : { مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } أي له أسوة أمثاله من سائر المرسلين المتقدمين عليه ، وأنه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام ، كما قال : { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الزخرف : 59 ] ، وقوله : { وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } أي مؤمنة به مصدقة له ، وهذا أعلى مقاماتها ، فدل على أنها ليست بنبية كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إلى نبوة سارة ( أم إسحاق ) ونبوة ( أم موسى ) ونبوة ( أم عيسى ) استدلالاً منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم ، وبقوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ } [ القصص : 7 ] ، وهذا معنى النبوة ، والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبياً إلاّ من الرجال ، قال الله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } [ يوسف : 109 ] ، وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله الإجماع على ذلك ، وقوله تعالى : { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } أي يحتاجان إلى التغذية به وإلى خروجه منهما ، فهما عبدان كسائر الناس ، وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة . ثم قال تعالى : { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ } أي نوضحها ونظهرها ، { ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون ، وبأي قول يتمسكون ، وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون ؟ .