Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 7-11)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مذكراً عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم ، وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم ، وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته ، والقيام بدينه ، وإبلاغه عنه ، وقبوله منه فقال تعالى : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إسلامهم كما قالوا : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا ، أن لا ننازع الأمر أهله . وقال الله تعالى : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ الحديد : 8 ] وقيل هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعة محمد صلى الله عليه وسلم والانقياد لشرعه . وقيل : هو تذكار بما أخذ تعالى من العهد على ذرية آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ } [ الأعراف : 172 ] . قاله مجاهد والقول الأول أظهر ، وهو المحكي عن ابن عباس والسدي ، واختاره ابن جرير . ثم قال تعالى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } تأكيد وتحريض على مواظبة التقوى في كل حال ثم أعلمهم أنه يعلم ما يختلج في الضمائر من الأسرار والخواطر ، فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ } أي كونوا قوامين بالحق لله عزَّ وجلَّ لا لأجل الناس والسمعة ، وكونوا { شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل لا بالجور ، وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال : " نحلني أبي نحلاً ، فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه ليشهده على صدقتي فقال : " أكلَّ ولدك نحلتَ مثله ؟ " قال : لا ، فقال : " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم " ، وقال : " إني لا أشهد على جور " قال فرجع أبي فرد تلك الصدقة " . وقوله تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم ، بل استعملوا العدل في كل أحد صديقاً كان أو عدواً ، ولهذا قال : { ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } أي عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه ، ودلَّ الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه ، كما في قوله : { وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ } [ النور : 28 ] وقوله : { هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء ، كما في قوله تعالى : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ الفرقان : 24 ] ، وكقول بعض الصحابيات لعمر : أنت أفظُّ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال تعالى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، ولهذا قال بعده : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ } أي لذنوبهم { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } وهو الجنة التي هي من رحمته على عباده ، لا ينالونها بأعمالهم بل برحمة منه وفضل ، وإن كان سبب وصول الرحمة إليهم أعمالهم ، وهو تعالى الذي جعلها أسباباً إلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه ، فالكل منه وله ، فله الحمد والمنة ، ثم قال : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } وهذا من عدله تعالى وحكمته وحكمه الذي لا يجور فيه ، بل هو الحكم العدل الحكيم القدير . وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } ، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها ، وعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة ، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فسله ، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يمنعك مني ؟ قال : " الله عزَّ وجلَّ " قال الأعرابي مرتين أو ثلاثاً : من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الله " ، قال فَشَامَ الأعرابي السيف ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه . وقصة هذا الأعرابي وهو ( غورث بن الحارث ) ثابتة في الصحيح . وقال ابن عباس : إن قوماً من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه طعاماً ليقتلوهم ، فأوحى الله إليه بشأنهم ، وقال أبو مالك : نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه حين أرادوا أن يغدروا بمحمد وأصحابه في دار كعب بن الأشرف ، وذكر محمد بن إسحاق بن يسار : أنها نزلت في شأن بني النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين ، ووكلوا ( عمرو بن جحاش ) بذلك ، وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجداء أن يلقي تلك الرحى من فوقه ، فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما تمالأوا عليه ، فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه ، فأنزل الله في ذلك هذه الآية . وقوله تعالى : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } يعني من توكل على الله كفاه الله ما أهمه ، وحفظه من شر الناس وعصمه .