Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 1-5)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها ، كما قال تعالى : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [ النحل : 1 ] ، وقال : { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } [ الأنبياء : 1 ] ، وقد وردت الأحاديث بذلك ، روى الحافظ أبو بكر البزار ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا سف يسير فقال : " والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه وما نرى من الشمس إلا يسيراً " ، وقال الإمام أحمد ، عن سهل بن سعد قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بعثت أنا والساعة هكذا " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى " ، وفي لفظ : " بعثت أنا والساعة كهذه من هذه إن كادت لتسبقني " وجمع الأعمش بين السبابة والوسطى ، وقال الإمام أحمد ، عن خالد بن عمير ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : " أما بعد ، فإن الدنيا قد آذنت بصُرْم وولت حَذَّاءَ ، ولم يبق منها إلا صُبابة الإناء يتصابها صاحبها ، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها ، فانتقلوا منها بخير ما يحضرنكم ، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً ما يدرك لها قعراً ، والله لتملؤنه أفعجبتم ؟ والله لقد ذكرنا لنا أن ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين عاماً ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام " وذكر تمام الحديث . وعن عبد الرحمٰن السلمي قال : نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ فجاءت الجمعة فحضر أبي وحضرت معه ، فخطبنا حذيفة فقال : ألا إن الله يقول : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } ، ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشق ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار وغداً السباق ، فقلت لأبي أيستبق الناس غداً ؟ فقال : يا بني إنك لجاهل إنما هو السباق بالأعمال ، وقوله تعالى : { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } قد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة ، وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال : " خمس قد مضين : الروم والدخان واللزام والبطشة والقمر " ، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات . ( ذكر الأحاديث الواردة في ذلك ) ( رواية أنَس بن مالك ) : روى الإمام أحمد عن أنَس بن مالك قال : " سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة مرتين ، فقال : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } " ، وعن أنَس بن مالك " أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقين حتى رأوا حِراء بينهما " وروى الإمام أحمد ، عن جبير بن مطعم قال : " انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين فرقة على هذا الجبل ، وفرقة على هذا الجبل ، فقالوا : سحرنا محمد ، فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم " وروى البخاري ، عن ابن عباس قال : انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } ، { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } قال : قد مضى ذلك ، كان قبل الهجرة انشق القمر حتى رأوا شقيه ، وقال الحافظ البيهقي ، " عن عبد الله بن عمر في قوله تعالى : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } قال : وقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فلقتين ، فلقة من دون الجبل ، وفلقة من خلف الجبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم اشهد " " وقال الإمام أحمد ، عن ابن مسعود قال : " انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اشهدوا " " ، وعن عبد الله بن مسعود قال : " انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة ، قال : فقالوا : انظروا ما يأتيكم به السفَّار ، فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم ، قال : فجاء السفّار ، فقالوا ذلك " وفي لفظ " انظروا السفّار ، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق ، وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به ، قال : فسئل السفار ، قال : وقدموا من كل وجهة ، فقالوا : رأينا ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } " وروى الإمام أحمد ، عن عبد الله قال : " انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى رأيت الجبل من بين فرجتي القمر " وقال ليث عن مجاهد : " انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : " اشهد يا أبا بكر " ، فقال المشركون : سحر القمر حتى انشق " ، وقوله تعالى : { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً } أي دليلاً وحجة وبرهاناً { يُعْرِضُواْ } أي لا ينقادوا له بل يعرضوا عنه ، ويتركونه وراء ظهورهم { وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } أي ويقولون هذا الذي شاهدناه من الحجج سحرٌ سحرنا به ، ومعنى { مُّسْتَمِرٌّ } أي ذاهب باطل مضمحل لا دوام له ، { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } أي كذبوا بالحق إذ جاءهم ، واتبعوا ما أمرتهم به أراؤهم وأهواؤهم ، من جهلهم وسخافة عقلهم ، وقوله : { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } قال قتادة : معناه أن الخير واقع بأهل الخير ، والشر واقع بأهل الشر ، وقال ابن جريج : مستقر بأهله ، وقال مجاهد : { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } أي يوم القيامة ، وقال السدي : مستقر أي واقع . وقوله تعالى : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ } أي من الأخبار عن قصص الأمم المكذبين بالرسل ، وما حل بهم من العقاب والنكال والعذاب مما يتلى عليهم في هذا القرآن { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي ما فيه واعظ لهم عن الشرك والتمادي على التكذيب ، وقوله تعالى : { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } أي في هدايته تعالى لمن هداه وإضلاله لمن أضله { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } يعني أي شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة وختم على قلبه ؟ فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ وهذه الآية كقوله تعالى : { وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ] .