Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 47-55)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبرنا تعالى عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق { وَسُعُرٍ } مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء ، وهذا يشمل كل من اتصف بذكر من كافر ومبتدع من سائر الفرق ، ثم قال تعالى : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } أي كما كانوا في سعر وشك وتردد أورثهم ذلك النار ، ويقال لهم تقريعاً وتوبيخاً { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } ، وقوله تعالى : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ، كقوله { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [ الفرقان : 2 ] ، وكقوله تعالى { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 3 ] أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه ، ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة ، على إثبات قدر الله السابق لخلقه ، وهو علمه الأشياء قبل كونها ، وكتابته لها قبل برئها ، وردوا بهذه الآية وبما شاكلها على الفرقة القدرية الذين نبغوا في أواخر عصر الصحابة ، روى أحمد ، عن أبي هريرة قال : " جاء مشركو قريش إلى النبي صلى عليه وسلم يخاصمونه في القدر ، فنزلت : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } " وعن عطاء بن أبي رباح قال : أتيت ابن عباس وهو ينزع من زمزم وقد ابتلت أسافل ثيابه فقلت له : قد تُكلِّمَ في القدر ، فقال : أو قد فعلوها ؟ قلت : نعم . قال : فوالله ما نزلت هذه الآية إلاّ فيهم : { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } أولئك شرار هذه الأمة ، فلا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا على موتاهم ، إن رأيت أحداً منهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين ، وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لكل أمة مجوس ، ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر ، إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل شيء بقدر حتى العجز والكيس " . وفي الحديث الصحيح : " استعن بالله ولا تعجز ، فإن أصابك أمر فقل : قدر الله وما شاء فعل ، ولا تقل لو أني فعلت لكان كذا ، فإن لو تفتح عمل الشيطان " وروى الإمام أحمد ، عن الوليد بن عبادة قال : " دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت ، فقلت : يا أبتاه أوصني واجتهد لي ، فقال : أجلسوني ، فلما أجلسوه . قال : يا بني إنك لن تطعم الإيمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله ، حتى تؤمن بالقدر خيره وشره ، قلت : يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره ؟ قال : تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ما خلق الله القلم ثم قال له : اكتب ، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة " ، يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار " وقد ثبت في " صحيح مسلم " ، عن عبد الله بن عمرو قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة " ، زاد ابن وهب : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ } [ هود : 7 ] . وقوله تعالى : { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } وهذا إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه ، كما أخبر بنفوذ قدره فيهم ، فقال : { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ } أي إنما نأمر بالشيء مرة واحدة ، لا نحتاج إلى تأكيد بثانية ، فيكون ذلك موجوداً كلمح البصر لا يتأخر طرفة عين ، وما أحسن ما قال بعض الشعراء : @ إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له : كن - قولة - فيكون @@ وقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ } يعني أمثالكم وسلفكم من الأمم السابقة المكذبين بالرسل ، { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } ؟ أي فهل من متعظ بما أخزى الله أولئك ، وقدَّر لهم من العذاب ، كما قال تعالى : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ } [ سبأ : 54 ] ، وقوله تعالى : { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } أي مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملائكة عليهم السلام ، { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ } أي من أعمالهم { مُّسْتَطَرٌ } أي مجموع عليهم ومسطّر في صحائفهم ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ، وقد روى الإمام أحمد ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله طالباً " وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } أي بعكس ما الأشقياء فيه من الضلال والسعر ، والسحب في النار على وجوههم ، مع التوبيخ والتقريع والتهديد ، وقوله تعالى : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } أي في دار كرامة الله ورضوانه ، وفضله وامتنانه ، وجوده وإحسانه { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } أي عند الملك العظيم ، الخالق للأشياء كلها ومقدرها ، وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون ، وقد روى الإمام أحمد ، عن عبد الله بن عمرو يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمٰن ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " .