Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-12)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الواقعة من أسماء يوم القيامة ، سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها كما قال تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } [ الحاقة : 15 ] وقوله تعالى : { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } أي ليس لوقوعها إذا أراد الله كونها صارف يصرفها ولا دافع يدفعها ، كما قال : { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } [ الشورى : 47 ] ، وقال : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } [ المعارج : 1 - 2 ] ، ومعنى { كَاذِبَةٌ } أي لا بد أن تكون ، قال قتادة : ليس فيها ارتداد ولا رجعة ، قال ابن جرير : والكاذبة مصدر كالعاقبة والعافية ، وقوله تعالى : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أي تخفض أقواماً إلى أسفل سافلين إلى الجحيم ، وإن كانوا في الدنيا أعزاء ، وترفع آخرين إلى أعلى عليين إلى النعيم المقيم ، وإن كانوا في الدنيا وضعاء ، وعن ابن عباس : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } تخفض أقواماً وترفع آخرين ، وقال عثمان بن سراقة : الساعة خفضت أعداء الله إلى النار ، ورفعت أولياء الله إلى الجنة ، وقال محمد بن كعب : تخفض رجالاً كانوا في الدنيا مرتفعين ، وترفع رجالاً كانوا في الدنيا مخفوضين ، وقال السدي : خفضت المتكبرين ورفعت المتواضعين ، وقوله تعالى : { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } أي حركت تحريكاً فاهتزت واضطربت بطولها وعرضها ، ولهذا قال ابن عباس ومجاهد { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } أي زلزلت زلزالاً ، وقال الربيع بن أَنَس : ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه ، كقوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } [ الزلزلة : 1 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [ الحج : 1 ] ، وقوله تعالى : { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } أي فتتت فتاً ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وقال ابن زيد : صارت الجبال كما قال الله تعالى : { كَثِيباً مَّهِيلاً } [ المزمل : 14 ] ، وقوله تعالى : { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } عن علي رضي الله عنه : هباء منبثاً كرهج الغبار يسطع ثم يذهب فلا يبقى منه شيء ، وقال ابن عباس : الهباء الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منه الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئاً ، وقال عكرمة : المنبث الذي قد ذرته الريح وبثته ، وقال قتادة : { هَبَآءً مُّنبَثّاً } كيابس الشجر الذي تذروه الرياح ، وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة ، وذهابها ونسفها أي قلعها وصيرورتها كالعهن المنفوش . وقوله تعالى : { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } أي ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف : قوم عن يمين العرش ، وهم الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وهم جمهور أهل الجنة ، وآخرون عن يسار العرش ، وهم الذين يؤتون كتبهم بشمالهم ويؤخذ بهم ذات الشمال وهم عامة أهل النار ، وطائفة سابقون بين يديه عزّ وجلّ وهم أحظى وأقرب من أصحاب اليمين ، فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء ، وهم أقل عدداً من أصحاب اليمين ، لهذا قال تعالى : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ * وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } ، وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم ، وهكذا ذكرهم في قوله تعالى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ } [ فاطر : 32 ] الآية . وذلك على أحد القولين في الظالم لنفسه كما تقدم بيانه ، قال ابن عباس { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } قال : هي التي في سورة الملائكة { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } [ فاطر : 32 ] الآية . وقال يزيد الرقاشي : سألت ابن عباس عن قوله : { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } قال أصنافاً ثلاثة ، وقال مجاهد : { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } يعني فرقاً ثلاثة ، وقال ميمون بن مهران : أفواجاً ثلاثة ، اثنان في الجنة وواحد في النار ، قال مجاهد : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } هم الأنبياء عليهم السلام ، وقال السدي : هم أهل عليين ، وقال ابن سيرين { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } الذين صلوا إلى القبلتين ، وقال الحسن وقتادة : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } أي من كل أمة ، وقال الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة ، أنه قرأ هذه الآية { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } ثم قال : أولهم رواحاً إلى المسجد ، وأولهم خروجاً في سبيل الله ، وهذه الأقوال كلها صحيحة ، فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات ، كما أمروا ، كما قال تعالى : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } [ آل عمران : 133 ] ، وقال تعالى : { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الحديد : 21 ] ، فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة ، فإن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تُدان ، ولهذا قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } ، وقال ابن أبي حاتم ، قالت الملائكة : يا رب جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون ، فاجعل لنا الآخرة ، فقال لا أفعل ، فراجعوا ثلاثاً ، فقال : لا أجعل من خلقت بيدي ، كمن قلت له كن فكان ؛ ثم قرأ عبد الله : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } .