Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 88-96)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الأحوال الثلاثة هي أحوال الناس عند احتضارهم : إما أن يكون من المقربين ، أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين ، وإما أن يكون من المكذبين بالحق ، الضالين عن الهدى ، الجاهلين بأمر الله ، ولهذا قال تعالى : { فَأَمَّآ إِن كَانَ } أي المحتضر { مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات ، { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } أي فلهم روح وريحان وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت كما تقدم في حديث البراء " إن ملائكة الرحمة تقول : أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب ، كنت تعمرينه اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان " ، قال ابن عباس { فَرَوْحٌ } يقول : راحة { وَرَيْحَانٌ } يقول : مستراحة ، وكذا قال مجاهد : إن الروح الاستراحة ، وقال أبو حرزة : الراحة من الدنيا ، وقال سعيد بن جبير : الروح الفرح ، وعن مجاهد : { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } جنة ورخاء ، وقال قتادة : فروح فرحمة . وقال ابن عباس ومجاهد : { وَرَيْحَانٌ } : ورزق ؛ وكل هذه الأقوال متقاربة صحيحة ، فإن من مات مقرباً حصل له جميع ذلك من الرحمة والراحة والاستراحة والفرح والسرور والرزق الحسن { وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } ، وقال أبو العالية : لا يفارق أحد من المقربين حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيقبض روحه فيه ، وقال محمد بن كعب : لا يموت أحد من الناس حتى يعلم أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار ، وقد قدمنا أحاديث الاحتضار عند قوله تعالى في سورة إبراهيم { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } [ الآية : 27 ] . وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الآية . روى الإمام أحمد ، " عن أم هانىء أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون النسم طيراً يعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها " " ، هذا الحديث فيه بشارة لكل مؤمن ، ومعنى " يَعْلَق " يأكل ، ويشهد له بالصحة أيضاً ما رواه الإمام أحمد ، عن الإمام الشافعي ، عن الإمام مالك ، عن كعب بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " ، وهذا إسناد عظيم ومتن قويم ، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في رياض الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش " الحديث . وروى الإمام أحمد ، عن عبد الرحمٰن بن أبي ليلى ، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " قال : فأكب القوم يبكون فقال : " ما يبكيكم ؟ " فقالوا : إنا نكره الموت ، قال : " ليس ذاك ، ولكنه إذا احتضر { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } ، فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله عزّ وجلّ ، والله عزّ وجلّ للقائه أحب { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } فإذا بشر بذلك كره لقاء الله ، والله تعالى للقائه أكره " " . وقوله تعالى : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي وأما إن كان المحتضر من أصحاب اليمين { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي تبشرهم الملائكة بذلك تقول لأحدهم : سلام لك أي لا بأس عليك أنت إلى سلامة . وأنت من أصحاب اليمين ، وقال قتادة : سَلِمَ من عذاب الله وسلَّمت عليه ملائكة الله ، كما قال عكرمة تسلم عليه الملائكة وتخبره أنه من أصحاب اليمين ، وهذا معنى حسن ، ويكون ذلك كقول الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ فصلت : 30 ] . وقوله تعالى : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } أي وأما إن كان المحتضر من المكذبين بالحق ، الضالين عن الهدى { فَنُزُلٌ } أي فضيافة . { مِّنْ حَمِيمٍ } وهو المذاب الذي يصهر به ما في بطونهم والجلود ، { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } أي وتقرير له في النار التي تغمره من جميع جهاته ، ثم قال تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } أي إن هذا الخبر لهو حق اليقين ، الذي لا مرية فيه ولا محيد لأحد عنه ، { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } . قال الإمام أحمد ، عن عقبة بن عامر الجهني قال : " لمّا نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } قال : " اجعلوها في ركوعكم " ، ولما نزلت : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجعلوها في سجودكم " " وفي الحديث : " من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة " وروى البخاري في آخر " صحيحه " ، عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله : " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمٰن : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " .