Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 16-17)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ، أي تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن ، فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه ، قال ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين ، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن ، فقال : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } الآية . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } الآية إلا أربع سنين ، وقوله تعالى : { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } نهى الله تعالى المؤمنين ، أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم ، من اليهود والنصارى لما تطاول عليهم الأمد ، بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم ، واشتروا به ثمناً قليلاً ، ونبذوه وراء ظهورهم ، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، فعند ذلك قست قلوبهم ، فلا يقبلون موعظة ، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد ، { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي في الأعمال ، فقلوبهم فاسدة وأعمالهم باطلة ، كما قال تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } [ المائدة : 13 ] أي فسدت قلوبهم فقست ، وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه ، وتركوا الأعمال التي أمروا بها ، وارتكبوا ما نهوا عنه ، ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصيلة والفرعية . روى أبو جعفر الطبري ، عن ابن مسعود قال : " إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم ، واخترعوا كتاباً من بين أيديهم وأرجلهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم ، وقالوا : نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب ، فمن آمن به تركناه ، ومن كفر به قتلناه ، قال : فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن ، ثم جعل القرن بيد ثندوتيه فلما قيل له : أتؤمن بهذا ؟ قال : آمنت به ويومىء إلى القرن بين ثندوتيه ، ومالي لا أؤمن بهذا الكتاب ؟ فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن " . وقوله تعالى : { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } فيه إشارة إلى أن الله يلين القلوب بعد قسوتها ويهدي الحيارى بعد ضلتها ، ويفرج الكروب بعد شدتها ، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل ، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل ، ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل ، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال ، والمضل لمن أراد بعد الكمال ، الذي هو لما يشاء فعال ، وهو الحكيم العدل في جميع الفعال ، اللطيف الخبير الكبير المتعال .