Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 14-19)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى منكراً على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن ، وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين ، كما قال تعالى : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ } [ النساء : 143 ] ، وقال هٰهنا : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } يعني اليهود الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن ، ثم قال تعالى : { مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ } أي هؤلاء المنافقون ليسوا في الحقيقة منكم أيها المؤمنون ، ولا من الذين يوالونهم وهم اليهود ، ثم قال تعالى : { وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يعني المنافقين يحلفون على الكذب ، وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا وهي اليمين الغموس ، ولا سيما في مثل حالهم اللعين عياذاً بالله منه ، فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا جاءوا الرسول حلفوا له أنهم مؤمنون ، وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به ، لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه ، وإن كان في نفس الأمر مطابقاً ، ولهذا شهد الله بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك . ثم قال تعالى : { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي أرصد الله لهم على هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة وهي موالاة الكافرين ونصحهم ومعاداة المؤمنين وغشهم ، ولهذا قال تعالى : { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر واتقوا بالأيمان الكاذبة ، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس { فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، أي في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في الأيمان الكاذبة الحانثة ، ثم قال تعالى : { لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } ، أي لن يدفع ذلك عنهم بأساً إذا جاءهم : { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ثم قال تعالى : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً } أي يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحداً ، { فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } أي يحلفون بالله عزَّ وجلَّ أنهم كانوا على الهدى والاستقامة كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا ، لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة ، ولهذا قال : { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } أي حلفهم ذلك لربهم عزّ وجلّ ، ثم قال تعالى منكراً عليهم حسبانهم { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } فأكد الخبر عنهم بالكذب ، روى ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، أن ابن عباس حدَّثه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين ، قد كاد يقلص عنهم الظل ، قال : " إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان فإذا أتاكم فلا تكلموه " ، فجاء رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ، فقال : " علام تشتمني أنت وفلان وفلان " نفر دعاهم بأسمائهم قال ، فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا له واعتذروا إليه ، قال : فأنزل الله عزَّ وجلَّ : { فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } " ، ثم قال تعالى : { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ } أي استحوذ على قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله عزَّ وجلَّ ، وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلاّ وقد استحوذ عليهم الشيطان ، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية " قال السائب : يعني الصلاة في الجماعة ، ثم قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ } يعني الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، ثم قال تعالى : { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ } .