Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 18-20)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عن جرير بن عبد الله قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال ، فجاءه قوم حفاة عراة ، مجتابي النمار أو العباء ، متقلدي السيوف ، عامتهم من مضر ، بل كلهم من مضر ، فتغيّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما رأى بهم من الفاقة ، قال : فدخل ثم خرج ، فأمر بلالاً فأذن ، وأقام الصلاة فصلّى ، ثم خطب فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ النساء : 1 ] - إلى آخر الآية ، وقرأ الآية التي في الحشر - { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } - تصدق رجل من ديناره من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بر ، من صاع تمرة - حتى قال - ولو بشق تمرة . قال : فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها ، بل قد عجزت ، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه ، كأنه مذهبة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " ، فقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أمر بتقواه ، وهو يشمل فعل ما به أمر ، وترك ما عنه زجر ، وقوله تعالى : { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } تأكيد ثان { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية ، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } أي لا تنسوا ذكر الله تعالى فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم ، فإن الجزاء من جنس العمل ، ولهذا قال تعالى : { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي الخارجون عن طاعة الله ، الهالكون يوم القيامة ، الخاسرون يوم معاهدهم ، كما قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ المنافقون : 9 ] . خطب أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه فقال : أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم ، فمن استطاع أن يقضي الأجل ، وهو من عمل الله عزّ جلّ ، فليفعل ، ولن تنالوا ذلك إلا بالله عزّ وجلّ ، إن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم فنهاكم الله عزّ وجلّ أن تكونوا أمثالهم { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } ، أين من تعرفون من إخوانكم ؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم ، وخلوا بالشقوة والسعادة ، أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار ، هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه ، فاستضيئوا منه ليوم ظلمة ، واستضيئوا بسنائه وبيانه ، إن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } [ الأنبياء : 90 ] ، لا خير في قول لا يراد به وجه الله ، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله ، ولا خير فمن يغلب جهله حلمه ، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم " . وقوله تعالى : { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله تعالى يوم القيامة كما قال تعالى : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ الجاثية : 21 ] ، وقال تعالى : { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ صۤ : 28 ] ، ولهذا قال تعالى هٰهنا : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } أي الناجون المسلَّمون من عذاب الله عزّ وجلّ .