Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 133-135)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { وَرَبُّكَ } يا محمد { ٱلْغَنِيُّ } أي عن جميع خلقه من جميع الوجوه ، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، { ذُو ٱلرَّحْمَةِ } أي وهو مع ذلك رحيم بهم كما قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة : 143 ، الحج : 65 ] { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أي إذا خالفتم أمره ، { وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ } أي قوماً آخرين أي يعملون بطاعته ، { كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } أي هو قادر على ذلك سهل عليه يسير لديه كما أذهب القرون الأولى وأتى بالذي بعدها ، كذلك هو قادر على إذهاب هؤلاء والإتيان بآخرين كما قال تعالى : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيراً } [ النساء : 133 ] ، وقال تعالى : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } [ فاطر : 16 - 17 ] ، وقال تعالى : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } أي أخبرهم يا محمد أن الذي يوعدون به من أمر المعاد كائن لا محالة ، { وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } أي ولا تعجزون الله ، بل هو قادر على إعادتكم وإن صرتم تراباً رفاتاً وعظاماً هو قادر لا يعجزه شيء . وقال ابن أبي حاتم في تفسيرها عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى ، والذي نفسي بيده إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين " . وقوله تعالى : { قُلْ يَاقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } هذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، أي استمروا على طريقتكم وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي ، كقوله : { وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ } [ هود : 121 - 122 ] ، قال ابن عباس : { عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } ناحيتكم ، { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } أي أتكون لي أو لكم ؟ وقد أنجز الله موعده لرسوله صلوات الله عليه ، فإنه تعالى مكنه في البلاد ، وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد ، وفتح له مكة ، وأظهره على من كذبه من قومه وعاده وناوأه ، واستقر أمره على سائر جزيرة العرب ، وكل ذلك في حياته ، ثم فتحت الأمصار والأقاليم بعد وفاته في أيام خلفائه رضي الله عنهم أجمعين كما قال الله تعالى : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] ، وقال : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } [ غافر : 51 - 52 ] ، وقال تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } [ الأنبياء : 105 ] ، وقال تعالى إخباراً عن رسله : { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [ إبراهيم : 13 - 14 ] ، وقال تعالى : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ النور : 55 ] الآية ، وقد فعل الله ذلك بهذه الأمة المحمدية وله الحمد والمنة أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً .