Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-151)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ هؤلاء الآيات : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } - إلى قوله - { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . وقال الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن خليفة قال : سمعت ابن عباس يقول : في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب ، ثم قرأ : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } الآيات ، وعن عبادة بن الصامت قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " أيكم يبايعني على ثلاث " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } حتى فرغ من الآيات … " فمن وفى فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئاً فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته ، ومن أخر إلى الآخرة فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه " يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله وقتلوا أولادهم ، وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين لهم { قُلْ } لهم { تَعَالَوْاْ } أي هلموا وأقبلوا { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } أي أقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقاً لا تخرصاً ولا ظناً ، بل وحياً منه وأمراً من عنده { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } وكأن في الكلام محذوفاً دل عليه السياق وتقديره : وأوصاكم { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } ولهذا قال في آخر الآية : { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . وفي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً من أمتك دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ، وإن شرب الخمر " ؛ وفي بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام قال في الثالثة : " وإن رغم أنف أبي ذر " ، فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث : " وإن رغم أنف أبي ذر " ، وفي بعض المسانيد والسنن عن أبي ذر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تعالى : " يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي ، ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بي شيئاً ، وإن أخطأت حتى تبلغ خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك " ، ولهذا شاهد في القرآن قال الله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ، 116 ] ، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود : " من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة " . والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جداً ، وعن عبادة بن الصامت قال : أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال : " ألا تشركوا بالله شيئاً وإن حرقتم وقطعتم وصلبتم " ، وقوله تعالى : { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي أوصاكم وأمركم بالوالدين إحساناً أي أن تحسنوا إليهم ، كما قال تعالى : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] ، والله تعالى كثيراً ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين كما قال : { أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } [ لقمان : 14 ] ، فأمر بالإحسان إليهما وإن كانا مشركين بحسبهما ، وقال تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ البقرة : 83 ] والآيات في هذا كثيرة . وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل ؟ قال : " الصلاة على وقتها " قلت : ثم أيّ ؟ قال : " بر الوالدين " قلت : ثم أيّ ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " ، قال ابن مسعود : حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو استزدته لزادني . وقوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } لما أوصى تعالى بالوالدين والأجداد ، عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد فقال تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ } ، وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك ، فكانوا يئدون البنات خشية العار ، وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار ، ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله نداً وهو خلقك " قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " ، قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ } " الآية . وقوله تعالى : { مِّنْ إمْلاَقٍ } ، قال ابن عباس : هو الفقر أي ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل ، وقال في سورة الإسراء : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ } أي لا تقتلوهم خوفاً من الفقر في الآجل ، ولهذا قال هناك : { نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } [ الإسراء : 31 ] فبدأ برزقهم للاهتمام بهم أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله وأما هنا فلما كان الفقر حاصلاً قال : { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } لأنه الأهم هٰهنا والله أعلم . وقوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } ، كقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } [ الأعراف : 33 ] . قد تقدم تفسيرها في قوله تعالى : { وَذَرُواْ ظَاهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } [ الأنعام : 120 ] وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " . وفي الصحيحين " قال سعد بن عبادة لو رأيت مع امرأتي رجلاً لضربته بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أتعجبون من غيرة سعد ؟ فوالله لأنا أغير من سعد ، والله أغير مني ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } ، وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تأكيداً وإلاّ فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إلٰه إلاّ الله وأني رسول الله إلاّ بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " ، وفي لفظ لمسلم : " والذي لا إلٰه غيره لا يحل دم رجل مسلم " وذكره ، وروى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل دم امرىء مسلم إلاّ بإحدى ثلاث خصال زان محصن يرجم ، ورجل قتل متعمداً فيقتل ، ورجل يخرج من الإسلام وحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض " وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال وهو محصور : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يحل دم امرىء مسلم إلاّ بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل بغير نفس " فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ، ولا تمنيت أن لي بديني بدلاً منه بعد إذ هداني الله ، ولا قتلت نفساً ، فبم تقتلونني ؟ وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد وهو المستأمن من أهل الحرب ، فروى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً : " من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً " وقوله : { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي هذا مما وصاكم به لعلكم تعقلون عن الله أمره ونهيه .