Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 165-165)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } أي جعلكم تعمرونها جيلاً بعد جيل ، وقرناً بعد قرن وخلفاً بعد سلف ، كقوله تعالى : { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } [ الزخرف : 60 ] ، وكقوله تعالى : { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } [ النمل : 62 ] ، وقوله : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [ البقرة : 30 ] ، وقوله : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 129 ] ، وقوله : { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } ، أي فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوي ، والمناظر والأشكال والألوان ، وله الحكمة في ذلك ، كقوله تعالى : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } [ الزخرف : 32 ] ، وقوله : { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 21 ] ، وقوله تعالى : { لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ } أي ليختبركم في الذي أنعم به عليكم وامتحنكم به ليختبر الغني في غناه ، ويسأله عن شكره ، والفقير في فقره ويسأله عن صبره . وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " وقوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } ترهيب وترغيب أن حسابه وعقابه سريع فيمن عصاه وخالف رسله ، { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن والاه واتبع رسله فيما جاءوا به من خبر وطلب . وقال محمد بن إسحاق : ليرحم العباد على ما فيهم . وكثيراً ما يقرن الله تعالى في القرآن بين هاتين الصفتين ، كقوله : { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } [ الحجر : 49 - 50 ] إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على الترغيب والترهيب . فتارة يدعو عباده إليه بالرغبة وصفة الجنة والترغيب فيما لديه ، وتارة يدعوهم إليه بالرهبة وذكر النار وأنكالها وعذابها والقيامة وأهوالها ، وتارة بهما لينجع في كل بحسبه ، جعلنا الله ممن أطاعه فيما أمر ، وترك ما عنه نهى وزجر ، وصدقه فيما أخبر ، إنه قريب مجيب سميع الدعاء ، جواد كريم وهاب . وقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط أحد من الجنة . خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه ، يتراحمون بها وعند الله تسعة وتسعون " ، وعنه أيضاً قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً وأنزل في الأرض جزءاً واحداً ، فمن ذلك تتراحم الخلائق ، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه " .