Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 55-59)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : وكما بينا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل على طريق الهداية والرشاد وذم المجادلة والعناد ، { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها ، { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل ، وقوله : { قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } أي على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إليّ ، { وَكَذَّبْتُم بِهِ } أي بالحق الذي جاءني من الله ، { مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } أي من العذاب ، { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلك ، وإن شاء أنظركم وأجلكم لما له في ذلك من الحكمة العظيمة ، ولهذا قال : { يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَاصِلِينَ } أي وهو خير من فصل القضايا وخير الفاصلين في الحكم بين عباده ، وقوله : { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أي لو كان مرجع ذلك إليّ لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك ، والله أعلم بالظالمين . فإن قيل : فما الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحُد ؟ فقال : " لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ( ابن عبد ياليل بن عبد كلال ) فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلاّ بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام ، فناداني ، فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، قال : فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ ، ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت ، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً " ، فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم فاستأنى بهم ، وسأل لهم التأخير لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئاً ، فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ } ؟ فالجواب - والله أعلم - أن هذه الآية دلت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبونه حال طلبهم له لأوقعه بهم . وأما الحديث فليس فيه إنهم سألوه وقوع العذاب بهم بل عرض عليه ملك الجبال ، أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين ، وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوباً وشمالاً ، فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم . وقوله تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } قال البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلاّ الله " ثم قرأ : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان : 34 ] ، وفي حديث عمر أن جبريل حين تبدى له في صورة أعرابي ، فسأل عن الإيمان والإسلام والإحسان . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فيما قال له : " خمس لا يعلمهن إلاّ الله " ثم قرأ : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } الآية . وقوله : { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } أي يحيط علمه الكريم بجميع الموجودات بريها وبحريها لا يخفى عليه من ذلك شيء ولا مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، وما أحسن ما قاله الصرصري : @ فلا يخفى عليه الذر إما تراءى للنواظر أو توارى @@ وقوله تعالى : { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } أي ويعلم الحركات حتى من الجمادات ، فما ظنك بالحيوانات ولا سيما المكلفون منهم من جنهم وإنسهم ، كما قال تعالى : { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } [ غافر : 19 ] . وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } قال : ما من شجرة في بر ولا بحر إلاّ وملك موكل بها يكتب ما يسقط منها ، وقوله : { وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } قال عبد الله بن الحارث : ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبرة إلاّ وعليها ملك موكل يأتي الله بعلمها رطوبتها إذا رطبت ويبوستها إذا يبست .