Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 80-83)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم حين جادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد ، وناظروه بشبه من القول أنه قال : { أَتُحَاجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } أي أتجادلونني في أمر الله وأنه لا إله إلاّ هو ، وقد بصّرني وهداني إلى الحق وأنا على بينة منه ، فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة ؟ وقوله : { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } أي ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم إليه أن هذه الآلهة التي تعبدونها لا تؤثر شيئاً وأنا لا أخافها ولا أباليها ، فإن كان لها كيد فكيدوني بها ولا تنظرون بل عاجلوني بذلك ، وقوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } ، استثناء منقطع أي لا يضر ولا ينفع إلاّ الله عزَّ وجلَّ { وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } أي أحاط علمه بجميع الأشياء فلا تخفى عليه خافية ، { أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } أي فيما بينته لكم ، أفلا تعتبرون أن هذه الآلهة باطلة فتنزجروا عن عبادتها ؟ وهذه الحجة نظير ما احتج بها نبي الله هود عليه السلام على قومه عاد فيما قص عنهم في كتابه حيث يقول : { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } [ هود : 53 - 56 ] الآية ، وقوله : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ } أي كيف أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله { وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً } ، قال ابن عباس وغير واحد من السلف : أي حجة ، وهذا كقوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } [ الشورى : 21 ] . وقوله تعالى : { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } [ النجم : 23 ] ، وقوله : { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي فأيّ طائفتين أصوب ، الذي عبد من بيده الضر والنفع ، أو الذي عبد من لا يضر ولا ينفع بلا دليل ؟ أيهما أحق بالأمن من عذاب الله يوم القيامة المؤمن أم المشرك ؟ قال الله تعالى : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له ولم يشركوا به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة المهتدون في الدنيا والآخرة . عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شق ذلك على الناس ، فقالوا : " يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه ؟ قال : " إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : { يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إنما هو الشرك " وفي رواية لما نزلت : " { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس كما تظنون إنما هي كما قال العبد الصالح لابنه : { يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } " ، وفي لفظ قالوا : " أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس بالذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إنما هو الشرك " ولابن أبي حاتم عن عبد الله مرفوعاً قال : { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال : " بشرك " . وعن عبد الله قال : " لما نزلت { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قيل لي أنت منهم " " . وقال الإمام أحمد ، حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا أبو جناب عن زاذان عن جرير بن عبد الله قال : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما برزنا من المدينة إذا راكب يوضع نحونا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كأن هذا الراكب إياكم يريد " فانتهى إلينا الرجل ، فسلم فرددنا عليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " من أين أقبلت ؟ " قال : من أهلي وولدي وعشيرتي قال : " فأين تريد ؟ " قال : أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فقد أصبته " قال : يا رسول الله علمني ما الإيمان ؟ قال : " أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت " قال : قد أقررت ، قال : ثم إن بعيره دخلت يده في جحر جرذان فهوى بعيره ، وهوى الرجل فوقع على هامته فمات . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليَّ بالرجل " ، فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فأقعداه ، فقالا : يا رسول الله قبض الرجل ، قال : فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما رأيتما إعراضي عن الرجل ، فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة ، فعلمت أنه مات جائعاً " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا من الذين قال الله عزَّ وجلَّ فيهم : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } الآية ، ثم قال : " دونكم أخاكم " فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه وحملناه إلى القبر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على شفير القبر ، فقال : " ألحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا " وفي بعض الروايات هذا ممن عمل قليلاً وأجر كثيراً . وروى ابن مردويه عن عبد الله بن سخبرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " من أعطى فشكر ومنع فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر " وسكت قال : فقالوا : يا رسول الله ما له ؟ قال : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } " وقوله : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } أي وجهنا حجته عليهم . قال مجاهد وغيره يعني بذلك قوله : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } الآية . وقد صدقه الله وحكم له بالأمن والهداية فقال : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } ، ثم قال بعد ذلك كله : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } قرىء بالإضافة وبلا إضافة ، وكلاهما قريب في المعنى . وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } أي حكيم في أقواله وأفعاله ، عليم : أي بمن يهديه ومن يضله وإن قامت عليه الحجج والبراهين ، كما قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 96 - 97 ] ، ولهذا قال هٰهنا : { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } .