Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 1-3)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة ( حاطب بن أبي بلتعة ) ، وذلك أن حاطباً هذا كان رجلاً من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضاً ، وكان له بمكة أولاد ومال ، ولم يكن من قريش أنفسهم ، فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكّة لما نقض أهلها العهد ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم . وقال : " اللهم عمِّ عليهم خبرنا " ، فعمد حاطب هذا فكتب كتاباً ، وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يداً . روى الإمام أحمد ، عن علي رضي الله عنه قال : " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب ، فخذوه منها " ، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، قلنا : أخرجي الكتاب ، قالت : ما معي كتاب ، قلنا : لتخرجن الكتاب ، أو لنلقينّ الثياب ، قال : فأخرجت الكتاب من عقاصها ، فأخذنا الكتاب ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا حاطب ما هذا ؟ " قال : لا تعجل عليّ ، إني كنت امرأً ملصقاً في قرش ، ولم أكن من أنفسهم ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم ، أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه صدقكم " ، فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " " ونزلت فيه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } . وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد أن هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة . فقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ } يعني المشركين والكفّار الذي هم محاربون لله ولرسوله ، نهى الله أن يتخذوهم أولياء وأصدقاء وأخلاء ، كما قال تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [ المائدة : 51 ] وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، وقال تعالى : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً } [ المائدة : 57 ] الآية . وقال تعالى : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } [ آل عمران : 28 ] ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب ، لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش ، لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد . وقوله تعالى : { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم ، كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ، ولهذا قال تعالى : { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } أي لم يكن لكم عندهم ذنب إلاّ إيمانكم بالله رب العالمين ، كقوله تعالى : { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [ البروج : 8 ] ، وكقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } [ الحج : 40 ] ، وقوله تعالى : { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي } أي إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء ، إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي فلا توالوا أعدائي ، وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم ، حنقاً عليكم وسخطاً لدينكم ، وقوله تعالى : { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ } أي تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر ، { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ } أي لو قدروا عليكم لما اتقوا فيكم من أذى ينالونكم به بالمقال والفعال ، { وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } أي ويحرصون على أن لا تنالوا خيراً ، فعداوتهم لكم كامنة وظاهرة فكيف توالون مثل هؤلاء ؟ وهذا تهييج على عداوتهم أيضاً ، وقوله تعالى : { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي قراباتكم لا تنفعكم عند الله ، إذا أراد الله بكم سوءاً ونفعهم لا يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله ، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم ، فقد خاب وخسر وضل عمله ، ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد .