Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 132-135)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا إخبار من الله عزَّ وجلَّّ عن تمرد قوم فرعون وعتوهم ، وعنادهم للحق وإصرارهم على الباطل في قولهم : { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } ، يقولون : أي آية جئتنا بها ودلالة وحجة أقمتها ، رددناها فلا نقبلها منك ولا نؤمن بك ولا بما جئت به ، قال الله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ } اختلفوا في معناه ، فعن ابن عباس : كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار ، وعنه : هو كثرة الموت ، وقال مجاهد : { ٱلطُّوفَانَ } الماء والطاعون ، وأما الجراد فمعروف مشهور ، وهو مأكول لما ثبت في " الصحيحين " عن عبد الله بن أبي أوفى : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد ، وروى الشافعي وأحمد وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أحلت لنا ميتتان ودمان : الحوت والجراد والكبد والطحال " وقال مجاهد في قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ } قال : كانت تأكل مسامير أبوابهم وتدع الخشب . وروى الحافظ أبو الفرج الحريري قال : سئل شريح القاضي عن الجراد ؟ فقال : قبح الله الجرادة فيها خلقة سبعة جبابرة رأسها رأس فرس ، وعنقها عنق ثور ، وصدرها صدر أسد ، وجناحها جناح نسر ، ورجلاها رجل جمل ، وذنبها ذنب حية ، وبطنها بطن عقرب . وروى ابن ماجه عن أنس وجابر " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دعا على الجراد قال : " اللهم أهلك كباره ، واقتل صغاره ، وأفسد بيضه ، واقطع دابره ، وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء " فقال له جابر : يا رسول الله أتدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره ؟ فقال : " إنما هو نثرة حوت في البحر " " قال هشام أخبرني زياد أنه أخبره من رآه ينثره الحوت . قال من حقق ذلك : إن السمك إذا باض في ساحل البحر فنضب الماء عنه وبدا للشمس أنه يفقس كله جراداً طياراً . وأما القمل فعن ابن عباس : هو السوس الذي يخرج من الحنطة ، وعن الحسن : القمل دواب سود صغار ، وقال ابن أسلم : القمل البراغيث ، وقال ابن جرير : القُمَّل جمع واحدتها قملة وهي دابة تشبه القمل تأكل الإبل فيما بلغني . وعن سعيد بن جبير قال : لما أتى موسى عليه السلام فرعون قال له : أرسل معي بني إسرائيل ، فأرسل الله عليهم الطوفان وهو المطر ، فصب عليهم منه شيئاً خافوا أن يكون عذاباً ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فأنبت لهم في تلك السنة شيئاً لم ينبته قبل ذلك من الزروع والثمار والكلأ ، فقالوا : هذا ما كنا نتمنى ، فأرسل الله عليهم الجراد فسلّطه على الكلأ ، فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقى الزرع ، فاقلوا : يا موسى ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم الجراد ، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فداسوا وأحرزوا في البيوت فقالوا قد أحرزنا ، فأرسل الله عليهم القمل وهو السوس الذي يخرج منه ، فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلا يرد منها إلا ثلاثة أقفزة ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل ، فبينما هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع ، فقال لفرعون : ما تلقى أنت وقومك من هذا ؟ فقال : وما عسى أن يكون كيد هذا ؟ فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا ، وأرسل الله عليهم الدم فكانوا ما استقوا من الأنهار والآبار وما كان في أوعيتهم وجدوه دماً عبيطاً ، فشكوا إلى فرعون فقالوا : إنا قد ابتلينا بالدم وليس لنا شراب ، فقال : إنه قد سحركم ، فقالوا : من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئاً من الماء إلا وجدناه دماً عبيطاً ؟ فأتوه وقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل . وقال محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله : فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوباً ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر ، فتابع الله عليه الآيات ، فأخذه بالسنين وأرسل عليه الطوفان ، ثم الجراد ثم القمل ، ثم الضفادع ، ثم الدم ، آيات مفصلات ، فأرسل الطوفان وهو الماء ففاض على وجه الأرض ، ثم ركد لا يقدرون على أن يحرثوا ولا أن يعملوا شيئاً حتى جهدوا جوعاً فلما بلغهم ذلك { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } فدعا موسى ربه فكشف عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الجراد فأكل الشجر فيما بلغني ، حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم ، فقالوا مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم القمل ، فذكر لي أن موسى عليه السلام أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه ، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم فضربه بها فانثال عليهم قملاً ، حتى غلب على البيوت والأطعمة ومنعهم النوم والقرار ، فلما جهدهم قالوا مثل ما قالوا له ، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الضفادع فملأت البيوت والأطعمة والآنية ، فلا يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه ، فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا فسأل ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دماً لا يستقون من بئر ولا نهر ، ولا يغترفون من إناء إلا عاد دماً عبيطاً .