Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 164-166)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق : فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت ، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم ، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنها قالت للمنكرة { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } أي لم تنهون هؤلاء ، وقد علمتم أنهم قد هلكوا ، واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم ، قالت لهم المنكرة : { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ } أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي لعلهم بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ، ويرجعون إلى الله تائبين ، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم ، قال تعالى : { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، أي ارتكبوا المعصية { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } ، فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين ، وسكت عن الساكتين ، لأن الجزاء من جنس العمل ، فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحوا ولا ارتكبوا عظيماً فيذموا ومع هذا فقد اختلف الأئمة فيهم : هل كانوا من الهالكين أو من الناجين ؟ على قولين ، وقال ابن عباس في الآية : هي قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة ، فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم ، وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر ، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها ، فمضى على ذلك ما شاء الله ، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم فنهتهم طائفة ، وقالوا : تأخذونها وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم ؟ فلم يزدادوا إلا غياً وعتواً ، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم ، فلما طال ذلك عليهم قالت طائفة من النهاة تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } ؟ وكانوا أشد غضباً لله من الطائفة الأخرى ، فقالوا : { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } وكل قد كانوا ينهون ، فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالوا : لم تعظون قوماً مهلكهم الله والذين قالوا معذرة إلى ربكم ، وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة . عن عكرمة عن ابن عباس في الآية قال : ما أدري أنجا الذين قالوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } أم لا ؟ قال : فلم أزل به حتى عرّفته أنهم قد نجوا فكساني حلة . وقال عبد الرزاق عن عكرمة قال : جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي ، وإذا المصحف في حجره ، فأعظمت أن أدنوا منه ، ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست ، فقلت ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداك ؟ قال : فقال هؤلاء الورقات قال : وإذا هو في سورة الأعراف ، قال : تعرف أيلة ؟ قلت : نعم ، قال : فإنه كان بها حي من اليهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا بعد كد ومؤنة شديدة ، كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً بيضاء سماناً ، فكانوا كذلك برهة من الدهر ، ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال : إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام ، فقالت ذلك طائفة منهم ، وقالت طائفة : بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السبت ، فكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلة فغدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها ، واعتزلت طائفة ذات اليمين ، وتنحت ، واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت ، وقال الأيمنون : ويلكم ، ننهاكم أن تتعرضوا لعقوبة الله ، وقال الأيسرون : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } ؟ قال الأيمنون : { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي ينتهون ، أن ينتهوا فهو أحب إلينا لا يصابوا ولا يهلكوا ، وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم ، فمضوا على الخطيئة ، وقال الأيمنون فقد فعلتم يا أعداء الله ، والله لنأتينكم الليلة في مدينتكم ، والله ما نراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب ، فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ، ونادوا فلم يجابوا ، فوضعوا سلماً وأعلوا سور المدينة رجلاً ، فالتفت إليهم ، فقال : أي عباد الله قردة والله تعاوى تعاوى ، لها أذناب ، قال : ففتحوا فدخلوا عليهم ، فعرفت القرود أنسابها من الإنس ، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس ، فتشم ثيابه ، وتبكي ، فيقول : ألم ننهكم عن كذا ؟ فتقول برأسها : أي نعم ، ثم قرأ ابن عباس : { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } قال : فأرى الذين نهوا قد نجوا ، ولا أرى الآخرين ذكروا ، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها ، قال : قلت جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم ، وقالوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } ؟ قال : فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين . ( القول الثاني ) : أن الساكتين كانوا من الهالكين ، قال محمد بن إسحاق عن ابن عباس أنه قال : ابتدعوا السبت ، فابتلوا فيه ، فحرمت عليهم فيه الحيتان ، فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر ، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى السبت المقبل ، فإذا جاء السبت جاءت شرعاً فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا كذلك ، ثم إن رجلاً منهم أخذ حوتاً فخزم أنفه ثم ضرب له وتداً في الساحل وربطه وتركه في الماء ، فلما كان الغد أخذه فشواه فأكله ، ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون ولا ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه ، حتى ظهر ذلك في الأسواق ففعل علانية ، قال ، فقالت طائفة للذين ينهونهم : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ } فقالوا : نسخط أعمالهم { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } إلى قوله { قِرَدَةً خَاسِئِينَ } . قال ابن عباس : كانوا أثلاثاً ، ثلث نهوا ، وثلث قالوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } ، وثلث أصحاب الخطيئة ، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم ، وقوله تعالى : { وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } فيه دلالة بالمفهوم على أن الذين بقوا نجوا ، و { بَئِيسٍ } معناه في قول مجاهد الشديد ، وفي رواية : أليم ، وقال قتادة : موجع ، والكل متقارب ، والله أعلم ، وقوله : { خَاسِئِينَ } أي ذليلين حقيرين مهانين .