Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 187-187)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } قيل : نزلت في قريش ، وقيل في نفر من اليهود ، والأول أشبه لأن الآية مكية ، وكانوا يسألون عن وقت الساعة استبعاداً لوقوعها وتكذيباً بوجودها ، كما قال تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ يونس : 48 ] ، وقال تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } [ الشورى : 18 ] ، وقوله : { أَيَّانَ مُرْسَاهَا } . قال ابن عباس : منتهاها أي متى محطها ، وأيان آخر مدة الدنيا الذي هو أول وقت الساعة : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } ، أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن وقت الساعة أن يرد علمها إلى الله تعالى ، فإنه هو الذي يظهر أمرها ، ومتى يكون على التحديد ، لا يعلم ذلك إلا هو تعالى ، ولهذا قال : { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . قال قتادة : ثقل علمها على أهل السماوات والأرض ، قال الحسن : إذا جاءت ثقلت على أهل السماوات والأرض ، يقول كبرت عليهم ، وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله : { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال : ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة ، وقال ابن جريج : إذا جاء انشقت السماء ، وانتثرت النجوم وكورت الشمس ، وسيرت الجبال ، وكان ما قال الله عزَّ وجلَّ ، فذلك ثقلها ، واختار ابن جرير رحمه الله أن المراد : ثقل علم وقتها على أهل السماوات والأرض كما قال قتادة ، كقوله تعالى : { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } ، ولا ينفي ذلك ثقل مجيئها على أهل السماوات والأرض والله أعلم ، وقال السدي : خفيت في السماوات والأرض ، فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب ولا نبي مرسل { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } يبغتهم قيامها تأتيهم على غفلة ، وقال قتادة : قضى الله أنها { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إن الساعة تهيج بالناس ، والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته ، والرجل يقيم سلعته في السوق ، ويخفض ميزانه ويرفعه " وقال البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ، ولتقومن الساعة ، وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ، ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ، ولتقومن الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها " . وقوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } اختلف المفسرون في معناه ، فقيل : معناه كأنّ بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم ، قال ابن عباس : لما سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمداً حفي بهم ، فأوحى الله إليه : إنما علمها عنده استأثر به فلم يطلع الله عليها ملكاً مقرباً ولا رسولاً ، وقال قتادة : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة فأسرَّ إلينا متى الساعة ؟ فقال الله عزَّ وجلَّ : { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } ، والصحيح عن مجاهد قال : استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها ، وكذا قال الضحاك عن ابن عباس : كأنك عالم بها لست تعلمها ، وقال عبد الرحمٰن بن زيد بن أسلم { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } : كأنك بها عالم وقد أخفى الله علمها على خلقه ، وقرأ : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [ لقمان : 34 ] الآية ، وهذا القول أرجح في المقام من الأول ، والله أعلم ، ولهذا قال : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ، ولهذا " لما جاء جبريل عليه السلام في صورة أعرابي ليعلم الناس أمر دينهم ، فجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس السائل المسترشد ، وسأله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ، ثم عن الإيمان ، ثم عن الإحسان ، ثم قال : فمتى الساعة ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " أي لست أعلم بها منك ولا أحد أعلم بها من أحد ، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [ لقمان : 34 ] الآية ، وفي رواية : " فسأله عن أشراط الساعة فبين له أشراط الساعة ، ثم قال : " في خمس لا يعلمهن إلا الله " " ، وقرأ هذه الآية ، ثم " لما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " ، ولما سأله ذلك الأعرابي وناداه بصوت جهوري فقال : " يا محمد ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هاؤم " على نحوٍ من صوته ، قال : يا محمد متى الساعة ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك إن الساعة آتية فما أعددت لها " ؟ قال : ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ، ولكني أحب الله ورسوله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المرء مع من أحب " فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث " . وقال الإمام أحمد عن حذيفة قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فقال : " علمها عند ربي عزّ وجلَّ لا يجلّيها لوقتها إلا هو ، ولكن سأخبركم بمشارطها وما يكون بين يديها : إن بين يديها فتنة وهرجاً " قالوا : يا رسول الله الفتنة قد عرفناها ، فما الهرج ؟ قال : " بلسان الحبشة : القتل " ، قال : " ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحداً " وقال وكيع عن طارق بن شهاب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة ، حتى نزلت : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } الآية ، وهذا إسناد جيد قوي ، فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم محمد صلوات الله عليه وسلامه نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة ، والعاقب المقفي والحاشر ، الذي تحشر الناس على قدميه مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد رضي الله عنهما : " بعثت أنا والساعة كهاتين " وقرن بين إصبعيه السبابة والتي تليها ، ومع هذا كله قد أمره الله أن يرد علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها ، فقال : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } .