Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 36-44)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى منكراً على الكفّار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم مشاهدون لما أيده الله به من المعجزات الباهرات ، ثم هم شاردون يميناً وشمالاً فرقاً فرقاً ، { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } [ المدثر : 50 - 51 ] ، قال تعالى : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } أي فما لهؤلاء الكفّار الذين عندك يا محمد { مُهْطِعِينَ } أي مسرعين نافرين منك ، قال الحسن البصري { مُهْطِعِينَ } أي منطلقين ، { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } واحدها عزة أي متفرقين ، وقال ابن عباس : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } قال : قبلك ينظرون { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } العزين : العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به ، وعن الحسن في قوله : { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } أي متفرقين يأخذون يميناً وشمالاً يقولون : ما قال هذا الرجل ؟ وفي الحديث : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق فقال : " ما لي أراكم عزين " " ؟ . وقوله تعالى : { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ } أي أيطمع هؤلاء ، والحالة هذه من فرارهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونفارهم عن الحق ، أن يدخلوا جنات النعيم ؟ كلا ، بل مأواهم جهنم ، ثم قال تعالى مقرراً لوقوع المعاد والعذاب بهم مستدلاً عليهم بالبداءة : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } أي من المني الضعيف ، كما قال تعالى : { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [ المرسلات : 20 ] ، وقال : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } [ الطارق : 5 - 7 ] ، ثم قال تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ } أي الذي خلق السماوات والأرض ، وسخَّر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها ، { إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ } أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه فإن قدرته صالحة لذلك ، { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي بعاجزين ، كما قال تعالى : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } [ القيامة : 3 - 4 ] ، وقال تعالى : { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الواقعة : 60 - 61 ] ، واختار ابن جرير { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ } أي أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها كقوله : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] ، والمعنى الأول أظهر لدلالة الآيات الأخر عليه ، والله سبحانه وتعالى أعلم . ثم قال تعالى : { فَذَرْهُمْ } أي يا محمد { يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } أي دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم ، { حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } أي فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله ، { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } أي يقومون من القبور ، إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب ، ينهضون سراعاً { كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } قال ابن عباس : إلى علم يسعون ، وقال أبو العالية : إلى غاية يسعون إليها . { نُصُبٍ } بضم النون والصاد وهو الصنم ، أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف ، كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه ، { يُوفِضُونَ } يبتدرون أيهم يستلمه أول ، وهذا مروي عن مجاهد وقتادة والضحّاك وغيرهم ، وقوله تعالى : { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ } أي خاضعة { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } .