Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 71, Ayat: 21-24)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : مخبراً عن نوح عليه السلام ، أنهم عصوه وخالفوه وكذبوه ، واتبعوا من غفل عن أمر الله ، ومتع بمال وأولاد ، وهي في نفس الأمر استدراج لا إكرام ، ولهذا قال : { وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } ، وقوله تعالى : { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } قال مجاهد : { كُبَّاراً } أي عظيماً ، وقال ابن زيد : { كُبَّاراً } أي كبيراً ، والعرب تقول : أمر عجيب وعجاب وعجّاب ، بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد ، { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } أي باتباعهم لهم وهم على الضلال ، كما يقولون لهم يوم القيامة : { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } [ سبأ : 33 ] ، ولهذا قال هٰهنا : { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ، عن ابن عباس : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ، أما ( وَدّ ) فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما ( سُواع ) فكانت لهذيل ، وأما ( يغوث ) فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ، وأما ( يعوق ) فكانت لهمدان ، وأما ( نسر ) فكانت لحمير لال ذي كلاع ، وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت . وقال ابن جرير عن محمد بن قيس { وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } قال : كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم ، لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة فصوروهم ، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم ، وقوله تعالى : { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً } يعني الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقاً كثيراً ، فإنه استمرت عبادتها إلى زماننا هذا ، في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم ، وقد قال الخليل عليه السلام في دعائه : { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35 ] . وقوله تعالى : { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم ، كما دعا موسى على فرعون وملئه في قوله : { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 88 ] وقد استجاب الله لكل من النبيين في قومه ، وأغرق أمته بتكذيبهم لما جاءهم به .