Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-15)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدم أن المقسم عليه إذا كان منتفياً جاز الإتيان بلا قبل القسم لتأكيد النفي ، والمقسم عليه هٰهنا هو إثبات المعاد ، والرد على ما يزعمه الجهلة من عدم بعث الأجساد ، ولهذا قال تعالى : { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } قال الحسن : أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة ، وقال قتادة : بل أقسم بهما جميعاً ، والصحيح أنه أقسم بهما معاً وهو المروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير ، واختاره ابن جرير ، فأما يوم القيامة فمعروف ، وأما النفس اللوامة فقال الحسن البصري : إن المؤمن والله ما نراه إلاّ يلوم نفسه : ما أردت بكلمتي ، ما أردت بأكلتي ، ما أردت بحديث نفسي ، وإن الفاجر يمضي قدماً قدماً ما يعاتب نفسه ، وعن سماك أنه سأل عكرمة عن قوله { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } قال : يلوم على الخير والشر : لو فعلت كذا وكذا ، وعن سعيد بن جبير قال : تلوم على الخير والشر ، وقال مجاهد : تندم على ما فات وتلوم عليه ، وقال ابن عباس : اللوامة المذمومة ، وقال قتادة : { ٱللَّوَّامَةِ } الفاجرة ، قال ابن جرير : وكل هذه الأقوال متقاربة المعنى ، والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر ، وتندم على ما فات . وقوله تعالى : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } ؟ أي يوم القيامة ، أيظن أنا لا نقدر على إعادة عظامه وجمعها من أماكنها المتفرقة ؟ { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } قال ابن عباس : أن نجعله خفاً أو حافراً ، والظاهر من الآية أن قوله تعالى : { قَادِرِينَ } حال من قوله تعالى : { نَّجْمَعَ } أي أيظن الإنسان أنا لا نجمع عظامه ؟ بلى سنجمعها قادرين على أن نسوي بنانه ، أي قدرتنا صالحة لجمعها ، ولو شئنا لبعثناه أزيد مما كان ، فنجعل بنانه وهي أطراف أصابعه مستوية ، وهذا معنى قول ابن قتيبة والزجاج ، وقوله : { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } قال ابن عباس : يعني يمضي قدماً ، وعنه : يقول الإنسان : أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة ، ويقال : هو الكفر بالحق بين يدي القيامة ، وقال مجاهد { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } : ليمضي أمامه راكباً رأسه ، وقال الحسن : لا يلفى ابن آدم إلاّ تنزع نفسه إلى معصية الله قدماً إلاّ من عصمه الله تعالى ، وروي عن غير واحد من السلف : هو الذي يعجل الذنوب ويسوّف التوبة ، وقال ابن عباس : هو الكافر يكذب بيوم الحساب ، وهذا هو الأظهر من المراد ، ولهذا قال بعده : { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } ؟ أي يقول متى يكون يوم القيامة ، وإنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه وتكذيب لوجوده ، كما قال تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } [ سبأ : 29 - 30 ] ، وقال تعالى هٰهنا : { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } بكسر الراء أي حار كقوله تعالى : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } [ إبراهيم : 43 ] ، والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الأهوال ، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور . وقوله تعالى : { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } أي ذهب ضوؤه ، { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } قال مجاهد : كوّرا ، كقوله { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [ التكوير : 1 ] ، وقوله تعالى : { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } أي إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة ، حينئذٍ يريد أن يفر ويقول : { أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } ؟ أي هل من ملجأ أو موئل ، قال الله تعالى : { كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } قال ابن مسعود وابن عباس : أي لا نجاة ، وهذه الآية كقوله تعالى : { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } [ الشورى : 47 ] أي ليس لكم مكان تتنكرون فيه ، وكذا قال هٰهنا : { لاَ وَزَرَ } أي ليس لكم مكان تعتصمون فيه ، ولهذا قال : { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } أي المرجع والمصير ، ثم قال تعالى : { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } أي يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها ، أولها وآخرها ، صغيرها وكبيرها كما قال تعالى : { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] ، وهكذا قال هٰهنا : { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } أي هو شهيد على نفسه عالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر ، كما قال تعالى : { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] وقال ابن عباس { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } يقول : سمعه وبصره ويديه ورجليه وجوارحه ، وقال قتادة : شاهد على نفسه ، وفي رواية قال : إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم ، غافلاً عن ذنوبه وكان يقال : إن في الإنجيل مكتوباً : يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك . وتترك الجذع في عينك لا تبصره . وقال مجاهد : { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } ولو جادل عنها فهو يصير عليها ، وقال قتادة : { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } ولو اعتذر يومئذٍ بباطل لا يقبل منه ، وقال السدي : { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } حجته ، واختاره ابن جرير . وقال الضحّاك ولو ألقى ستوره . وأهل اليمن يسمون الستر المعذار ، والصحيح قول مجاهد وأصحابه . كقوله تعالى : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ، وكقوله تعالى : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [ المجادلة : 18 ] ، وقال ابن عباس : { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } هي الاعتذار ألم تسمع أنه قال : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } [ غافر : 52 ] .