Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 26-40)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن حالة الاحتضار ، وما عنده من الأهوال ، ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت ، فقال تعالى : { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } إن جعلنا ( كلا ) رادعة فمعناها : لست يا ابن آدم هناك تكذب بما أخبرت به ، بل صار ذلك عندك عياناً ، وإن جعلناها بمعنى ( حقاً ) فظاهر أي حقاً إذا بلغت التراقي أي انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك ، والتراقي جمع ( ترقوة ) وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق كقوله تعالى : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } [ الواقعة : 83 - 85 ] ، { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } ؟ قال ابن عباس : أي من راق يرقي ؟ وقال أبو قلابة ؟ أي من طبيب شاف . وعن ابن عباس : { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } قيل : من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ فعلى هذا يكون من كلام الملائكة ، وقال ابن عباس في قوله : { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } قال : التفت عليه الدنيا والآخرة ، وعنه { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } يقول : آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة ، فتلقي الشدة بالشدة إلاّ من رحمه الله ، وقال عكرمة : { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } الأمر العظيم بالأمر العظيم ، وقال مجاهد : بلاء ببلاء ، وقال الحسن البصري : هما ساقاك إذا التفتا ، وكذا قال السدي عن الحسن : هو لفهما في الكفن ، وقال الضحّاك : { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } اجتمع عليه أمران : الناس يجهزون جسده ، والملائكة يجهزون روحه . وقوله تعالى : { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } أي المرجع والمآب ، وذلك أن الروح ترفع إلى السماوات ، فيقول الله عزَّ وجلَّ : ردوا عبدي إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ، منها أخرجهم تارة أُخرى ، كما ورد في حديث البراء الطويل ، وقوله جلَّ وعلا : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ * وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذباً للحق بقلبه ، متولياً عن العمل بقالبه ، فلا خير فيه باطناً ولا ظاهراً ، ولهذا قال تعالى : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ * وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أي جذلان أشراً بطراً ، لا همة له ولا عمل ، كما قال تعالى : { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } [ المطففين : 31 ] ، وقال تعالى : { إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً * إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } [ الانشقاق : 13 - 14 ] أي يرجع ، وقال ابن عباس : { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أي يختال ، وقال قتادة : يتبختر ، قال الله تعالى : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } وهذا تهديد ووعيد من الله تعالى للكافر ، المتبختر في مشيه ، أي يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك ، وذلك على سبيل التهكم والتهديد ، كقوله تعالى : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] ، وكقوله تعالى : { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } [ المرسلات : 46 ] وكقوله جلَّ جلاله : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] إلى غير ذلك ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } ؟ قال : قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل ، ثم أنزله الله عزَّ وجلَّ . وقال قتادة في قوله : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } وعيد على أثر وعيد كما تسمعون ، وزعموا أن عدو الله أبا جهل أخذ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بمجامع ثيابه ثم قال : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } ، فقال عدو الله أبو جهل : أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئاً ، وإني لأعز من مشى بين جبليها . وقوله تعالى : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } ؟ قال السدي : يعني لا يبعث ، وقال مجاهد : يعني لا يؤمر ولا ينهى ، والظاهر أن الآية تعم الحالين ، أي ليس يترك في هذه الدنيا مهملاً ، لا يؤمر ولا ينهى ، ولا يترك في قبره سدى لا يبعث ، بل هو مأمور منهي في الدنيا محشور إلى الله في الدار الآخرة ، والمقصود هنا إثبات المعاد ، ولهذا قال تعالى مستدلاً على الإعادة بالبداءة { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } أي أما كان الإنسان نطفة ضعيفة من ماء مهين { يُمْنَىٰ } أي يراق من الأصلاب في الأرحام { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } أي فصار علقة ثم مضغة ثم شكل ونفخ فيه الروح فصار خلقاً آخر سوياً ، سليم الأعضاء ذكراً أو أُنثى بإذن الله وتقديره : ولهذا قال تعالى : { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } ، ثم قال تعالى : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } ؟ أي أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة ، بقادر على أن يعيده كما بدأه ؟ كقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، روى أبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ منكم بالتين والزيتون فانتهى إلى آخرها { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ؛ ومن قرأ : { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } فانتهى إلى قوله : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } فليقل : بلى ، ومن قرأ : { وَٱلْمُرْسَلاَتِ } فبلغ { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } ؟ فليقل : آمنا بالله " ، وعن قتادة قوله تعالى : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } ذكر لنا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : " سبحانك وبلى " وكان ابن عباس إذا مر بهذه الآية : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } ؟ قال : سبحانك فبلى .