Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 17-30)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن يوم الفصل ، وهو ( يوم القيامة ) أنه مؤقت بأجل معدود ، لا يزاد عليه ولا ينقص منه ، ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله عزَّ وجلَّ ، كما قال تعالى : { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } [ هود : 104 ] أنه { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } قال مجاهد : زمراً زمراً . قال ابن جرير : يعني تأتي كل أمة مع رسولها ، كقوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [ الإسراء : 71 ] قال البخاري : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " ما بين النفختين أربعون " قالوا : أربعون يوماً ، قال : " أبيت " ، قالوا : أربعون شهراً ؟ قال : " أبيت " ، قالوا : أربعون سنة ؟ قال : " أبيت " ، قال : " ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا بلي إلا عظماً واحداً ، وهو ( عجب الذنب ) ومنه يركب الخلق يوم القيامة " " { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } أي طرقاً ومسالك لنزول الملائكة ، { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } كقوله تعالى : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [ القارعة : 5 ] ، وقال هٰهنا { فَكَانَتْ سَرَاباً } أي يخيل إلى الناظر أنها شيء وليست بشيء ، وبعد هذا تذهب بالكلية فلا عين ولا أثر ، كما قال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 105ـ107 ] ، وقال تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } [ الكهف : 47 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } أي مرصدة معدة { لِّلطَّاغِينَ } وهم المردة العصاة المخالفون للرسل ، { مَآباً } أي مرجعاً ومنقلباً ومصيراً ونزلاء ، وقال الحسن وقتادة : لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز النار ، فإن كان معه جواز نجا وإلا احتبس ، وقوله تعالى : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } أي ماكثين فيها أحقاباً وهي جمع حقب وهو المدة من الزمان ، وقد اختلفوا في مقداره ، فقال ابن جرير ، قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري : ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل ؟ قال : نجده ثمانين سنة ، كل سنة اثنا عشر شهراً ، كل شهر ثلاثون يوماً ، كل يوم ألف سنة ، وعن الحسن والسدي : سبعون سنة . وعن عبد الله بن عمرو : الحقب أربعون سنة ، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون ، وقال بشير بن كعب : ذكر لي أن الحقب الواحد ثلثمائة سنة ، اثنا عشر شهراً ، كل سنة ثلثمائة وستون يوماً ، كل يوم منها كألف سنة . وقال السدي : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } سبعمائة حقب ، كل حقب سبعون سنة ، كل سنة ثلثمائة وستون يوماً ، كل يوم كألف سنة مما تعدون ، وقال خالد بن معدان هذه الآية ، وقوله تعالى : { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } [ هود : 107 - 108 ] في أهل التوحيد ، قال ابن جرير : والصحيح أنها لا انقضاء لها ، كما روي عن سالم : سمعت الحسن يسأل عن قوله تعالى : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } قال أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار ، ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة ، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون ، وقال قتادة ، قال الله تعالى : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } وهو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده . وقال الربيع بن أنس : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله عزَّ وجلَّ ، وذكر لنا أن الحقب الواحد ثمانون سنة ، والسنة ثلثمائة وستون يوماً ، كل يوم كألف سنة مما تعدون . وقوله تعالى : { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } أي لا يجدون في جهنم برداً لقلوبهم ، ولا شراباً طيباً يتغذون به ، ولهذا قال تعالى : { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } ، وقال أبو العالية : استثنى من البرد الحميم ، ومن الشراب الغساق ، قال الربيع بن أنَس : فأما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره وحموُّه ، والغساق هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم ، فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه ، وقوله تعالى : { جَزَآءً وِفَاقاً } أي هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة ، وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا ، ثم قال تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } أي لم يكونوا يعتقدون أن ثم داراً يجازون فيها ويحاسبون ، { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } أي وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسُلِهِ صلوات الله وسلامه عليهم فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة ، وقوله { كِذَّاباً } أي تكذيباً ، وهو مصدر من غير الفعل ، وقوله تعالى : { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } أي وقد علمنا أعمال العباد وكتبناها عليهم ، وسنجزيهم على ذلك إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، وقوله تعالى : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } أي يقال لأهل النار ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلاّ عذاباً من جنسه وآخر من شكله أزواج قال قتادة : لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } فهم في مزيد من العذاب أبداً .