Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 70-71)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال محمد بن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : " إني قد عرفت أن ناساً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحداً منهم - أي من بني هاشم - فلا يقتله ، ومن لقي البختري بن هشام فلا يقتله ، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله ، فإنه إنما أخرج مستكرهاً " ، فقال أبو حذيفة بن عتبة : أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس ؟ والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف ، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لعمر بن الخطاب : يا أبا حفص - قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حفص - أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف " ؟ فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فوالله لقد نافق ، فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك : والله ما آمن من تلك الكلمة التي قلت ولا أزال منها خائفاً إلا أن يكفرها الله تعالى عني بشهادة ، فقتل يوم اليمامة شهيداً رضي الله عنه " ، قال محمد بن إسحاق : وكان أكثر الأسارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلب ، وذلك أنه كان رجلاً موسراً فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهباً . وفي " صحيح البخاري " عن أنس بن مالك : " أن رجالاً من الأنصار قالوا : يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه . قال : " لا والله لا تذرون منه درهماً " ، وبعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا ، وقال العباس : يا رسول الله قد كنت مسلماً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أعلم بإسلامك ، فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك ، وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابني أخيك نوفل وعقيل ، وحليفك عتبة بن عمرو " قال : ما ذاك عندي يا رسول الله ، قال : " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ؟ فقلت لها إن أصبت في سفري هذا ، فهذا المال الذي دفنته لبنيّ الفضل وعبد الله وقثم " ، قال : والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله ، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل ، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ، ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك " ، ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه " ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ فيه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قال العباس : فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله عزَّ وجلَّ . وقال أبو جعفر بن جرير : قال العباس في نزلت : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 67 ] ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامي ، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذت مني فأبى ، فأبدلني الله بها عشرين عبداً كلهم تاجرٌ مالي في يده . وقال ابن عباس قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله لننصحن لك على قومنا ، فأنزل الله : { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } يخلف لكم خيراً مما أخذ منكم { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } الشرك الذي كنتم عليه ، قال فكان العباس يقول : ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وإن لي الدنيا ، لقد قال : { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } ، فقد أعطاني خيراً مما أخذ مني مائة ضعف ، وقال : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } وأرجو أن يكون قد غفر لي . وقال قتادة : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفاً ، وقد توضأ لصلاة الظهر ، فما أعطى يومئذ شاكياً ، ولا حرم سائلاً ، وما صلى يومئذ حتى فرقه ، فأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي ، فكان العباس يقول : هذا خير مما أخذ منا وأرجو المغفرة . قال الحافظ أبو بكر البيهقي عن أنس بن مالك قال : " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال : " انثروه في مسجدي " قال : وكان أكثر مال أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج إلى الصلاة ولم يلتفت إليه ، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه ، فما كان يرى أحداً إلا أعطاه ، إذ جاءه العباس ، فقال : يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي ، وفاديت عقيلاً ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذ " فحثا في ثوبه ، ثم ذهب يقله فلم يستطع ، فقال : مر بعضهم يرفعه إليّ ، قال : " لا " ، قال : فارفعه أنت عليّ ، قال : " لا " ، فنثر منه ثم احتمله على كاهله ، ثم انطلق ، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره حتى خفي عنه عجباً من حرصه ، فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثَمَّ منها درهم " وقوله : { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } أي وإن يريدوا خيانتك فيما أظهروا لك من الأقوال { فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } أي من قبل بدر بالكفر به { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } أي بالأسارى يوم بدر { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عليم بفعله حكيم فيه ، قال قتادة : نزلت في ( عبد الله بن أبي سرح ) الكاتب حين ارتد ولحق بالمشركين ، وقال عطاء الخراساني : نزلت في عباس وأصحابه حين قالوا : لننصحن لك على قومنا ، وقال السدي بالعموم ، وهو أشمل وأظهر والله أعلم .