Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 1-14)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أمّا الفجر فمعروف وهو الصبح ، وعن مسروق : المراد به فجر يوم النحر خاصة ، وهو خاتمة الليالي العشر ، وقيل : المراد بذلك الصلاة التي تفعل عنده ، والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة ، وقد ثبت في " صحيح البخاري " : " " ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام " يعني عشر ذي الحجة ، قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجُلاً خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء " " وقيل : المراد بذلك العشر الأول من المحرم ، عن ابن عباس : { وَلَيالٍ عَشْرٍ } قال : هو العشر الأول من رمضان ، والصحيح القول الأول . روي عن جابر يرفعه : " إن العشر عشر الأضحى ، والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر " وقوله تعالى : { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } الوتر يوم عرفة لكونه التاسع ، والشفع يوم النحر لكونه العاشر ، قاله ابن عباس : قول ثانٍ : عن واصل بن السائب قال : سألت عطاء عن قوله : { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } قلت : صلاتنا وترنا هذا ؟ قال : لا ، ولكن الشفع يوم عرفة والوتر ليلة الأضحى . قول ثالث : عن أبي سعيد بن عوف قال : سمعت عبد الله بن الزبير يخطب الناس فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الشفع والوتر ؟ فقال : الشفع قول الله تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 203 ] ، والوتر قوله تعالى : { وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 203 ] . وفي الصحيحين : " إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر " قول رابع : قال الحسن البصري : الخلق كلهم شفع ووتر ، أقسم تعالى بخلقه ، وقال ابن عباس : { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } قال : الله وتر واحد ، وأنتم شفع ، ويقال : الشفع صلاة الغداة ، والوتر صلاة المغرب . قول خامس : عن مجاهد { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } قال : الشفع الزوج ، والوتر الله عزَّ وجلَّ ، وعنه : الله الوتر وخلقه الشفع الذكر والأنثى ، وعنه : كل شيء خلقه الله شفع : السماء والأرض ، والبر والبحر ، والجن والإنس ، والشمس والقمر ، ونحو هذا ، كقوله تعالى : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الذاريات : 49 ] أي لتعلموا أن خالق الأزواج واحد . قول سادس : قال الحسن : { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } هو العدد منه شفع ، ومنه وتر . قول سابع : قال أبو العالية والربيع بن أنَس ؛ هي الصلاة منها شفع كالرباعية والثنائية ، ومنها وتر كالمغرب ، فإنها ثلاث ، وهي وتر النهار ، وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل ، ولم يجزم ابن جرير بشيء من الأقوال في الشفع والوتر . وقوله تعالى : { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } قال ابن عباس : أي إذا ذهب ، وقال مجاهد وأبو العالية { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } : إذا سار أي ذهب ، ويحتمل إذا سار ، أي أقبل ، وهذا أنسب لأنه في مقابلة قوله : { وَٱلْفَجْرِ } فإن الفجر هو إقبال النهار ، وإدبار الليل ، فإذا حمل قوله : { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } على إقباله كان قسماً بإقبال الليل وإدبار النهار وبالعكس . كقوله : { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } [ التكوير : 17 - 18 ] وقال الضحّاك : { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } أي يجري ، وقال عكرمة : { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } يعني ليلة جمع ليلة المزدلفة ، وقوله تعالى : { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } أي لذي عقل ولب وحجى ، وإنما سمي العقل ( حجراً ) لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال ، وحجَر الحاكم على فلان إذا منعه التصرف ، وهذا القسم هو بأوقات العبادة ، وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع القرب ، التي يتقرب إليه عباده المتقون المطيعون له ، الخائفون منه ، المتواضعون لديه ، الخاشعون لوجهه الكريم ، ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } ؟ وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين ، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله ، فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم وجعلهم أحاديث وعبراً ، فقال : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } ؟ وهؤلاء ( عاد الأولى ) وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هوداً عليه السلام فكذبوه وخالفوه ، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم وأهلكهم { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [ الحاقة : 6 ] ، وقد ذكر الله قصتهم في القرآن ، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون ، فقوله تعالى : { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } عطف بيان زيادة تعريف بهم ، وقوله تعالى : { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد ، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشاً ، ولهذا ذكّرهم ( هود ) بتلك النعمة ، وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم فقال : { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ … وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [ الأعراف : 69 - 74 ] . وقوله تعالى : { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] ، وقال هٰهنا : { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } أي القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم ، وقال مجاهد : إرم أمة قديمة يعني عاداً الأولى ، قال قتادة والسدي : إن إرم بيت مملكة عاد ، وكانوا أهل عمد لا يقيمون ، وقال ابن عباس : إنما قيل لهم ذات العماد لطولهم ، واختار الأول ابن جرير ، وقوله تعالى : { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } الضمير يعود على القبيلة ، أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد يعني في زمانهم ، روي عن المقدام أنه ذكر { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } فقال : " كان الرجل منهم يأتي على الصخرة فيحملها على الحي فيهلكهم " ، وسواء كانت العماد أبنية بنوها ، أو أعمدة بيوتهم للبدو ، أو سلاحهم يقاتلون به ، أو طول الواحد منهم ، فهم قبيلة وأمة من الأمم ، وهم المذكورون في القرآن في غير ما موضع ، المقرونون بثمود كما هٰهنا ، والله أعلم . ومن زعم أن المراد بقوله : { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } مدينة إما دمشق ، أو اسكندرية أو غيرهما ، فضعيف لأنه لا يتسق الكلام حينئذٍ ، ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد ، وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يرد ، لا أن المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم ، وقول ابن جرير : يحتمل أن يكون المراد بقوله : { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } قبيلة أو بلدة كانت عاد تسكنها فلذلك لم تصرف ، فيه نظر ، لأن المراد من السياق إنما هو الإخبار عن القبيلة ، ولهذا قال بعده : { وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ } يعني يقطعون الصخر بالوادي ، قال ابن عباس : ينحتونها ويخرقونها ، يقال : اجتاب الثوب : إذا فتحه ، وقال تعالى : { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } [ الشعراء : 149 ] ، وقال ابن إسحاق : كانوا عرباً وكان منزلهم بوادي القرى ، وقد ذكرنا قصة عاد مستقصاة في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته . وقوله تعالى : { وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } قال ابن عباس : الأوتاد الجنود الذين يشدون له أمره ، ويقال : كان فرعون يوتد أيديهم وأرجلهم في أوتاد من حديد يعلقهم بها ، وكذا قال مجاهد : كان يوتد الناس بالأوتاد ، وقال السدي : كان يربط الرجل كل قائمة من قوائمه في وتد ثم يرسل عليه صخرة عظيمة فيشدخه ، وقال ثابت البناني : قيل لفرعون ذي الأوتاد ، لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتاد ، ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت ، وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ } أي تمردوا وعتوا وعاثوا في الأرض بالإفساد والأذية للناس ، { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } أي أنزل عليهم رجزاً من السماء ، وأحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين ، وقوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } قال ابن عباس : يسمع ويرى يعني يرصد خلقه فيما يعملون ، ويجازي كلاً بسعيه في الدنيا والأخرى ، وسيعرض الخلائق كلهم عليه فيحكم فيهم بعدله ويقابل كلاً بما يستحقه وهو المنزه عن الظلم والجور .