Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 113-114)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال : " أي عم ! قل : لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله عزّ وجلّ " ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال : أنا على ملة عبد المطلب ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " ، فنزلت : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } " ، قال : ونزلت فيه : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] . وقال الإمام أحمد ، عن ابن بريدة عن أبيه قال : " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في سفر ، فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب ، فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان ، فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم وقال : يا رسول الله ما لك ؟ قال : " إني سألت ربي عزّ وجلّ في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي ، فدمعت عيناي رحمة لها من النار ، وإني كنت نهيتكم عن ثلاث : نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها لتذكركم زيارتها خيراً ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث . فكلوا وامسكوا ما شئتم ، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية فاشربوا في أي وعاء شئتم ولا تشربوا مسكراً " " . وقال ابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن مسعود قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقابر ، فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها ، فناجاه طويلاً ثم بكى فبكينا لبكائه ، ثم قال إليه عمر بن الخطاب ، فدعاه ثم دعانا فقال : " ما أبكاكم " ؟ فقلنا : بكينا لبكائك ، قال : " إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة ، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي " " ، ثم أورده من وجه آخر وفيه : " وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي وأنزل عليَّ : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } " الآية ، فأخذني ما يأخذ الولد للوالد ، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة . وقال ابن عباس في هذه الرواية : كانوا يستغفرون لهم ، حتى نزلت هذه الآية فأمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ، ثم أنزل الله تعالى : { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ } الآية ، وقال قتادة في الآية : ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : " يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ، ويصل الأرحام ، ويفك العاني ، ويوفي بالذمم ، أفلا نستغفر لهم ؟ قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بلى ، والله إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه " ، فأنزل الله تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } ، ثم عذر الله تعالى إبراهيم عليه السلام فقال : { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ } الآية وقال الثوري عن ابن عباس : مات رجل يهودي وله ابن مسلم فلم يخرج معه ، فذكر ذلك لابن عباس فقال : فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح ما دام حياً ، فإذا مات وكله إلى شأنه ثم قال : { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ } إلى قوله : { تَبَرَّأَ مِنْهُ } ، ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه : " لما مات أبو طالب قلت : يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات ، " اذهب فواره ولا تحدثن شيئاً حتى تأتيني " ، فذكر تمام الحديث . وقال ابن عباس : ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه . وفي رواية : لما مات تبين له أنه عدو الله ، وكذا قال مجاهد والضحاك ، وقوله : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } ، قال ابن مسعود : الأواه الدعَّاء ؛ وقال ابن جرير : " قال رجل : يا رسول الله ما الأواه ؟ قال : " المتضرع " ، وقال الثوري : سئل ابن مسعود عن الأواه ، فقال : هو الرحيم أي بعباد الله ، وقال ابن عباس : الأواه الموقن ، بلسان الحبشة . وعنه : الأواه المؤمن . وقال سعيد بن جبير والشعبي : الأواه المسبّح ، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : لا يحافظ على سبحة الضحى إلا الأواه ، وعن مجاهد : الأواه الحفيظ ، الرجل يذنب الذنب سراً ثم يتوب منه سراً ، ذكر ذلك كله ابن أبي حاتم رحمه الله . وقال ابن جرير : " إن رجلاً كان يكثر ذكر الله ويسبح ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إنه أواه " ، وقال أيضاً عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتاً فقال : " رحمك الله إن كنت لأواهاً " يعني تلاءً للقرآن ، قال ابن جرير : وأولى الأقوال قول من قال : إنه الدعّاء وهو المناسب للسياق ، وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله : { أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً * قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } [ مريم : 46 - 47 ] فحلم عنه مع أذاه له ودعا له واستغفر ، ولهذا قال تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } .