Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 5-5)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف المفسرون في المراد بالأشهر الحرم هٰهنا ما هي ؟ فذهب ابن جرير إلى أنها المذكورة في قوله تعالى : { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } [ التوبة : 36 ] الآية ، ولكن قال ابن جرير : آخر الأشهر الحرم في حقهم المحرم ، وفيه نظر ، والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس في رواية العوفي عنه ، أن المراد بها أشهر التسيير الأربعة المنصوص عليها بقوله : { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } [ التوبة : 2 ] ، ثم قال : { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } أي إذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم ، لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر ، ثم إن الأشهر الأربعة المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد في هذه السورة الكريمة . وقوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } أي من الأرض ، وهذا عام ، والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله : { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ } [ البقرة : 191 ] ، وقوله : { وَخُذُوهُمْ } أي وأسروهم ، إن شئتم قتلاً وإن شئتم أسراً ، وقوله { وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم ، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم ، والرصد في طرقهم ومسالكهم ، حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام ، ولهذا قال : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة ، حيث حرمت قتالهم بشرط الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته ، ونبه بأعلاها على أدناها ، فإن أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة التي هي حق الله عزَّ وجلَّ ، وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحاويج ، وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين ، ولهذا كثيراً ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة ، وقد جاء في " الصحيحين " : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " الحديث ، وقال عبد الله بن مسعود : أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن لم يزك فلا صلاة له ، وقال ابن أسلم : أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة وقال يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه ! وروى الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا ، وصلوا صلاتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم " قال أنس : توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، ثم قال في آية أخرى : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } [ التوبة : 11 ] . وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك : إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة . وقال ابن عباس في هذه الآية : أمره الله تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام ، ونقض ما كان سمى لهم من العهد والميثاق ، وأذهب الشرط الأول . ثم اختلف المفسرون في آية السيف هذه ، فقال الضحاك والسدي : هي منسوخة بقوله تعالى : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } [ محمد : 4 ] وقال قتادة بالعكس .