Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 73-74)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم ، كما أمره بن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين وأخبره أن مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الآخرة ، وقد تقدم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال : ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف : سيف للمشركين { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 5 ] ، وسيف للكفار أهل الكتاب { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ التوبة : 29 ] ، وسيف للمنافقين { جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } ، وسيف للبغاة { فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ الحجرات : 9 ] ، وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق ) . قال ابن مسعود { جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } قال : بيده فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه ، وقال ابن عباس : أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف ، والمنافقين باللسان ، وأذهب الرفق عنهم ، وقال الضحاك : جاهد الكفار بالسيف ، واغلظ على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم ، وقال الحسن وقتادة ومجاهد : مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم ؛ ولا منافاة بين هذه الأقوال ، لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال والله أعلم . وقوله : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } قال قتادة : نزلت في ( عبد الله بن أبي ) وذلك أنه اقتتل رجلان ، جهني وأنصاري ، فعلا الجهني على الأنصاري ، فقال عبد الله للأنصار ألا تنصرون أخاكم ؟ والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمِّن كلبك يأكلك ، وقال : { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [ المنافقون : 8 ] ، فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فسأله ، فجعل يحلف بالله ما قاله ، فأنزل الله في هذه الآية . وقال الإمام أبو جعفر بن جرير عن ابن عباس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل شجرة ، فقال : " إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم - بعيني الشيطان - فإذا جاء فلا تكلموه " فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " علام تشتمني أنت وأصحابك " ؟ فانطلق الرجل ، فجاءه بأصحابه ، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ } الآية " ، وقوله : { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } قيل أنزلت في الجلاس بن سويد ، وذلك أنه همّ بقتل ابن امرأته حين قال لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : في ( عبد الله بن أبيّ ) همَّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ورد أن نفراً من المنافقين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك في بعض تلك الليالي في حال السير ، وكانوا بضعة عشر رجلاً ، قال الضحاك : ففيهم نزلت هذه الآية ، روى الحافظ البيهقي في كتاب " دلائل النبوة " " عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به ، وعمار يسوق الناقة ، حتى إذا كنا بالعقبة ، فإذا أنا باثني عشر راكباً قد اعترضوه فيها ، قال : فانتهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصرخ بهم ، فولوا مدبرين ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل عرفتم القوم " ؟ قلنا : لا يا رسول الله قد كانوا متلثمين ، ولكنا قد عرفنا الركاب ، قال : " هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة وهل تدرون ما أرادوا " ؟ قلنا : لا ، قال : " أرادوا أن يزاحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة فيلقوه منها " ، قلنا يا رسول الله أفلا نبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ قال : " لا ، أكره أن تتحدث العرب بينها أن محمداً قاتل ، حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم " وقوله تعالى : { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } أي وما للرسول عندهم ذنب إلا أن الله أغناهم ببركته ويمن سعادته ، ولو تمت عليهم السعادة لهداهم الله " لما جاء به كما قال صلى الله عليه وسلم للأنصار : " ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي " ؟ كلما قال شيئاً ، قالوا : الله ورسوله أمّن " ، وهذه الصيغة تقال حيث لا ذنب ، كقوله : { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ } [ البروج : 8 ] الآية ، ثم دعاهم الله تبارك وتعالى إلى التوبة فقال : { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي وإن يستمروا على طريقهم يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا : أي بالقتل والهم والغم ، والآخرة : أي بالعذاب والنكال والهوان والصغار { وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي وليس لهم أحد يسعدهم ولا ينجدهم ، لا يحصِّلُ لهم خيراً ، ولا يدفع عنهم شراً .