Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-11)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أقسم تعالى بالليل { إِذَا يَغْشَىٰ } أي إذا غشى الخليقة بظلامه ، { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } أي بضيائه وإشراقه ، { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } كقوله تعالى : { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } [ النبأ : 8 ] ، { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } أي أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة ومتخالفة ، فمن فاعل خيراً ومن فاعل شراً ، قال الله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } أي أعطى ما أمر بإخراجه ، واتقى الله في أموره ، { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } بالمجازاة على ذلك أي بالثواب . وقال ابن عباس ، ومجاهد : { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي بالخُلْف ، وقال الضحّاك : بلا إلٰه إلاّ الله ، وقال أُبيّ بن كعب : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسنى قال : " الحسنى : الجنة " " وقوله تعالى : { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } قال ابن عباس : يعني للخير ، وقال زيد بن أسلم : يعني للجنة ، { وَأَمَّا مَن بَخِلَ } أي بما عنده { وَٱسْتَغْنَىٰ } قال ابن عباس : أي بخل بماله واستغنى عن ربه عزَّ وجلَّ : { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي بالجزاء في الدار الآخرة { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } أي لطريق الشر ، كما قال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأنعام : 110 ] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عزَّ وجلَّ يجازي من قصد الخير بالتوفيق له ، ومن قصد الشر بالخذلان ، وكل ذلك بقدر مقدر ، والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة . روى البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال : " ما منكم من أحد إلاّ وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " . فقالوا : يا رسول الله أفلا نتكل ؟ فقال : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " ، ثم قرأ : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } - إلى قوله - { لِلْعُسْرَىٰ } " ، وفي رواية أُخرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله معه مخصرة فنكس ، فجعل ينكت بمخصرته ، ثم قال : " ما منكم من أحد - أو ما من نفس منفوسة - إلاّ كتب مكانها من الجنة والنار ، وإلاّ قد كتبت شقية أو سعيدة " ، فقال رجل : يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة ، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاء ؟ فقال : " أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاء فييسرون إلى عمل أهل الشقاء " ، ثم قرأ : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } " وعن جابر بن عبد الله " أنه قال : يا رسول الله أنعمل لأمر قد فرغ منه أو لأمر نستأنفه ؟ فقال : " لأمر قد فرغ منه " فقال سراقة : ففيم العمل إذاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل عامل ميسر لعمله " " وفي الحديث : " " ما من يوم غربت فيه شمسه إلاّ وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلاّ الثقلين : اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممسكاً تلفاً " وأنزل الله في ذلك القرآن : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } " وذكر أن هذه الآية نزلت في ( أبي بكر الصديق ) رضي الله عنه كان يعتق على الإسلام بمكة ، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن ، فقال له أبوه : أي بني أراك تعتق أُناساً ضعفاء ، فلو أنك تعتق رجالاً جلداء يقومون معك ، ويمنعونك ويدفعون عنك ، فقال : أي أبت إنما أريد ما عند الله ، فنزلت الآية : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } ، وقوله تعالى : { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } قال مجاهد : أي إذا مات ، وقال زيد بن أسلم : إذا تردى في النار .