Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 1-11)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روى الإمام أحمد ، عن جندب بن عبد الله قال : " اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين ، فأتت امرأة فقالت : يا محمد ما آرى شيطانك إلاّ قد تركك ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ : { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } " وفي رواية : أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال المشركون : ودع محمداً ربه ، فأنزل الله تعالى : { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } ، وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } أي سكن فأظلم وادلهم ، وذلك دليل ظاهر على قدرته تعالى ، كما قال تعالى : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [ الليل : 1 - 2 ] ، وقال تعالى : { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [ الأنعام : 96 ] ، وقوله تعالى : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } أي ما تركك { وَمَا قَلَىٰ } أي وما أبغضك ، { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } أي وللدار الآخرة خير لك من هذه الدار ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها إطراحاً ، كما هو معلوم بالضرورة من سيرته ، ولما خيَّر عليه السلام في آخر عمره ، بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة ، وبين الصيرورة إلى الله عزَّ وجلَّ ، اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية ، ورى الإمام أحمد ، عن عبد الله بن مسعود قال : " اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر في جنبه ، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه ، وقلت : يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها " " وقوله تعالى : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } أي في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أُمته ، وفيما أعده له من الكرامة ، ومن جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف وطينه مسك أذفر كما سيأتي . وروي عن ابن عباس أنه قال : " عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أُمته من بعده كنزاً كنزاً فسرّ بذلك ، فأنزل الله { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم " ، وقال السدي عن ابن عباس : من رضاء محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار ، قال الحسن : يعني بذلك الشفاعة ، ثم قال تعالى يعدّد نعمه على عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } وذلك أن أباه توفي وهو حمل في بطن أمه ، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين ، ثم كان في كفالة جده عبد المطلب إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين ، فكفله عمه أبو طالب ، ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره ، هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان ، وكل ذلك بقدر الله وحسن تدبيره ، إلى أن توفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل ، فأقدم عليه سفهاء قريش وجهالهم ، فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج ، كما أجرى الله سنته على الوجه الأتم الأكمل ، فلما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه رضي الله عنهم أجمعين ، وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به . وقوله تعالى : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } كقوله : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] الآية ، ومنهم من قال : إن المراد بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ضلّ في شعاب مكّة وهو صغير ثم رجع ، وقيل : إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام وكان راكباً ناقة في الليل ، فجاء إبليس فعدل بها عن الطريق ، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة ، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق ، حكاهما البغوي ، وقوله تعالى : { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } أي كنت فقيراً ذا عيال فأغناك الله عمن سواه ، فجمع له بين مقامي الفقير الصابر ، والغني الشاكر ، صلوات الله وسلامه عليه ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس " وفي " صحيح مسلم " عن عبد الله بن عمرو قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه " ثم قال تعالى : { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } أي كما كنت يتيماً فآواك الله ، فلا تقهر اليتيم ، أي لا تذله وتنهره وتهنه ، ولكن أحسن إليه وتلطف به ، وقال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم ، { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } أي وكما كنت ضالاً فهداك الله ، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد ، قال ابن إسحاق : { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } أي فلا تكن جباراً ولا متكبراً ، ولا فحاشاً ولا فظاً على الضعفاء من عباد الله ، وقال قتادة : يعني ردّ المسكين برحمة ولين ، { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أي وكما كنت عائلاً فقيراً فأغناك الله ، فحدث بنعمة الله عليك ، كما جاء في الدعاء المأثور : " واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها عليك ، قابليها وأتمها علينا " وعن أبي نضرة قال : كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها ، وفي الصحيحين عن أنس " أن المهاجرين قالوا : يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله ، قال : لا ، ما دعوتم الله لهم ، وأثنيتم عليهم " ، وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يشكر الله من لا يشكر الناس " وقال مجاهد : يعني النبوة التي أعطاك ربك ، وفي رواية عنه : القرآن ، وقال الحسن بن علي : ما عملت من خير فحدّث إخوانك ، وقال ابن إسحاق : ما جاءك من الله من نعمة وكرامة من النبوة ، فحدث بها واذكرها وادع إليها .