Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 94, Ayat: 1-8)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } يعني قد شرحنا لك صدرك أي نورناه ، وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً كقوله : { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [ الأنعام : 125 ] ، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً سمحاً سهلاً ، لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق ، وقيل : المراد بقوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } شرح صدره ليلة الإسراء ، وهذا وإن كان واقعاً ليلة الإسراء ولكن لا منافاة ، فإن من جملة شرح صدره الحسي الشرح المعنوي أيضاً ، وقوله تعالى : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } ، بمعنى { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] ، { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } الإنقاض الصوت أي أثقلك حمله ، وقوله تعالى : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } قال مجاهد : لا أذكر إلاّ ذكرت معي " أشهد أن لا إلٰه إلاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله " وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلاّ ينادي بها ، أشهد أن لا إلٰه إلا الله وأن محمداً رسول الله ، روى ابن جرير عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أتاني جبريل فقال : إن ربي وربك يقول ، كيف رفعت ذكرك ؟ قال : الله أعلم ، قال : إذا ذكرتُ ذكرتَ معي " وحكى البغوي عن ابن عباس ومجاهد أن المراد بذلك الأذان ، يعني ذكره فيه ، كما قال حسان بن ثابت : @ وضم الإلٰه اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد @@ وقال آخرون : رفع الله ذكره في الأولين والآخرين ، ونوه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به ، وأن يأمروا أُممهم بالإيمان به ، ثم شهر ذكره في أمته ، فلا يذكر الله إلاّ ذكر معه . وقوله تعالى : { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر ، ثم أكد هذا الخبر ، بقوله { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } ، قال الحسن : كانوا يقولون : لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين ، وعن قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّر أصحابه بهذه الآية فقال : " لن يغلب عسر يُسْرَيْن " ، ومعنى هذا أن العسر معرف في الحالين ، فهو مفرد ، واليسر منكر ، فتعدّد ، ولهذا قال : " لن يغلب عسر يسرين " يعني قوله : { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } فالعسر الأول عين الثاني ، واليسر تعدّد ، ومما يروى عن الشافعي أنه قال : @ صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمور نجا من صدّق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا @@ وقال الشاعر : @ ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج كملت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج @@ وقوله تعالى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } أي إذا فرغت من أُمور الدنيا وأشغالها ، وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة ، وقم إليها نشيطاً فارغ البال ، واخلص لربك النية والرغبة ، قال مجاهد في هذه الآية : إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة فانصب لربك ، وعن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل ، وفي رواية عنه { فَٱنصَبْ } بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس ، وقال ابن عباس { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } يعني في الدعاء ، وقال الضحّاك { فَإِذَا فَرَغْتَ } أي من الجهاد { فَٱنصَبْ } أي في العبادة { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } قال الثوري : اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عزَّ وجلَّ .