Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 95, Ayat: 1-8)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف المفسرون هٰهنا على أقوال كثيرة فقيل : المراد بالتين دمشق ، وقيل : الجبل الذي عندها ، وقال القرطبي : هو مسجد أصحاب الكهف ، وروي عن ابن عباس : أنه مسجد نوح الذي على الجودي ، وقال مجاهد : هو تينكم هذا { وَٱلزَّيْتُونِ } قال قتادة : هو مسجد بيت المقدس ، وقال مجاهد وعكرمة : هو هذا الزيتون الذي تعصرون ، { وَطُورِ سِينِينَ } هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام ، { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } يعني مكة ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وقال بعض الأئمة : هذه محال ثلاثة ، بعث الله في كل واحد منها نبياً مرسلاً من أولي العزم ، أصحاب الشرائع الكبار . ( فالأول ) محلة التين والزيتون وهي ( بيت المقدس ) التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام ، ( والثاني ) طور سينين وهو ( طور سيناء ) الذي كلم الله عليه موسى بن عمران ، ( والثالث ) مكة وهو ( البلد الأمين ) الذي من دخله كان آمناً ، وهو الذي أرسل فيه محمداً صلى الله عليه وسلم ، قالوا : وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة : جاء الله من طور سيناء - يعني الذي كلم الله عليه موسى بن عمران - وأشرق من ساعير - يعني جبل المقدس الذي بعث الله منه عيسى - واستعلن من جبال فاران - يعني جبال مكة التي أرسل الله منها محمداً صلى الله عليه وسلم ، فذكرهم مخبراً عنهم على الترتيب الوجودي ، بحسب ترتيبهم في الزمان ، ولهذا أقسم بالأشرف ثم الأشرف منه ، ثم بالأشرف منهما ، وقوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } هذا هو المقسم عليه ، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل ؛ منتصب القامة ، سويّ الأعضاء حسنها . { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } أي إلى النار . أي بعد هذا الحسن والنضارة ، مصيره إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل ، ولهذا قال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ، وقال بعضهم : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } أي إلى أرذل العمر . واختار ذلك ابن جرير ، ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك ، لأن الهرم قد يصيب بعضهم ، وإنما المراد ما ذكرناه كقوله تعالى : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ العصر : 1 - 3 ] ، وقوله : { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي غير مقطوع ، ثم قال : { فَمَا يُكَذِّبُكَ } أي يا ابن آدم { بَعْدُ بِٱلدِّينِ } ؟ أي بالجزاء في المعاد ، ولقد علمت البدأة وعرفت أن من قدر على البدأة فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى : فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا ؟ روى ابن أبي حاتم عن منصور قال : قلت لمجاهد : { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } عنى به النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " معاذ الله " عنى به الإنسان ، وقوله تعالى : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } أي أما هو أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا يظلم أحداً ، ومن عدله أن يقيم القيامة فينتصف للمظلوم في الدنيا ممن ظلمه ، وقد قدمنا في حديث أبي هريرة مرفوعاً : فإذا قرأ أحدكم والتين والزيتون فأتى على آخرها { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين .