Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 99, Ayat: 1-8)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن عباس { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } : أي تحركت من أسفلها { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } يعني ألقت ما فيها من الموتى ، كقوله تعالى : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [ الحج : 1 ] ، وكقوله : { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } [ الانشقاق : 4 ] ، وفي الحديث : " تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة ، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً " ، وقوله عزَّ وجلَّ : { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } أي استنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة ، وهو مستقر على ظهرها أي تقلبت الحال ، فصارت متحركة مضطربة ، قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها ، من الزلزال الذي لا محيد لها عنه ، ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين ، وحينئذٍ استنكر الناس أمرها ، وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات ، وبرزوا لله الواحد القهار ، وقوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } أي تحدث بما عمل العاملون على ظهرها ، عن أبي هريرة قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قال : " أتدرون ما أخبارها ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها " ، وفي " معجم الطبراني " ، " تحفظوا من الأرض فإنها أمكم ، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلاّ وهي مخبرة " وقوله تعالى : { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } قال البخاري : أوحى لها ، وأوحى إليها ، ووحى لها ، ووحى إليها ، وكذا قال ابن عباس { أَوْحَىٰ لَهَا } أي أوحى إليها ، والظاهر أن هذا مضمن بمعنى أذن لها ، وقال ابن عباس : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قال ، قال لها ربها قولي ، فقالت ؛ وقال مجاهد { أَوْحَىٰ لَهَا } أي أمرها ، وقال القرظي : أمرها أن تنشق عنهم ، وقوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً } أي يرجعون عن موقف الحساب { أَشْتَاتاً } أي أنواعاً وأصنافاً ما بين شقي وسعيد ، مأمور به إلى الجنة ومأمور به إلى النار ، قال ابن جريج : يتصدعون أشتاتاً فلا يجتمعون آخر ما عليهم ، وقال السدي { أَشْتَاتاً } فرقاً . وقوله تعالى : { لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } أي ليجازوا بما عملوه في الدنيا من خير وشر ، ولهذا قال : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } . روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر " الحديث . فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر ؟ فقال : " ما أنزل الله فيها شيئاً إلاّ هذه الآية الفاذة الجامعة : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } " وروى الإمام أحمد عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق أنه " أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } قال : حسبي أن لا أسمع غيرها " ، وفي " صحيح البخاري " عن عدي مرفوعاً : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة " ، وله أيضاً في الصحيح : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط " وفي الصحيح أيضاً : " يا معشر نساء المؤمنات لا تحقرنَّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة " يعني ظلفها ، وفي الحديث الآخر : " ردوا السائل ولو بظلف محرق " وعن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان " " وروي عن عائشة أنها تصدقت بعنبة وقالت : كم فيها من مثقال ذرة ، وروى ابن جرير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : " لما نزلت { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد ، فبكى حين أنزلت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك يا أبا بكر " ؟ قال يبكيني هذه السورة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم " " . وروى ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } وذلك لما نزلت هذه الآية : { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } [ الإنسان : 8 ] كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه ، فيجيء المسكين إلى أبوابهم ، فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك فيردونه ويقولون : ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير : الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك ، يقولون : إنما وعد الله النار على الكبائر ، فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه فإنه يوشك أن يكثر ، وحذرهم اليسير من الشر ، فإنه يوشك أن يكثر ، فنزلت { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } يعني وزن أصغر النمل { خَيْراً يَرَهُ } يعني في كتابه ويسره ذلك قال : يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة وبكل حسنة عشر حسنات ، فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضاً بكل واحدة عشراً ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات فمن زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه " وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة ، فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود ، حتى جمعوا سواداً ، وأججوا ناراً ، وأنضجوا ما قذفوا فيها " .