Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 33-35)
Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
[ 2 ] ترك العمل بعد الشروع التحليل اللفظي { تُبْطِلُوۤاْ } : تضيعوا ثوابها من بَطَل الشيء يَبْطُل بُطْلاً وبطلاناً : ذهب ضياعاً وخسراً . { وَصَدُّواْ } : أعرضوا من الصد : وهو الإعراض والصدوف ، قال تعالى : { رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [ النساء : 61 ] { فَلاَ تَهِنُواْ } : أي لا تفْتُروا ، ولا تضعُفُوا ، ولا تجبُنوا عن قتال العدو من الوهن أي الضعف في النفس والعمل قال تعالى : { فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 146 ] . { وَلَن يَتِرَكُمْ } : أي لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً ، ولن يظلمكم من وتَرَه حقَّه وماله نقصه إياه وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله " . قال أبو عبيدة : وترتُ الرجل إذا قتلتَ له قتيلاً من ولدٍ أو أخ ، أو حميم ، أو قريب ، أو ذهبتَ بماله . قال الزمخشري : وحقيقته : أفردته من قريبه ، أو ماله ، من الوتر وهو الفرد ، فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر ، وهو من فصيح الكلام . المعنى الإجمالي نادى الله سبحانه وتعالى المؤمنين مخاطباً إياهم بوصف الإيمان تذكيراً لهم بأن هذا الوصف يدعوهم إلى طاعة أوامر الله تعالى ، الآتية بعد هذا النداء ، ثم جاء الأمر بطاعة الله جل جلاله في أوامره ونواهيه ، فطاعته هي السبيل إلى الفلاح في الدنيا والآخرة ، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاعة المولى سبحانه فعلى المؤمن أن يتَّبعه في كل سُنَّة سنَّها . ثم نهى الله المؤمن عن إبطال عمله ، فقد يقدِّم أعمالاً كثيرة من الطاعة ، ولكنه قد يضيع عمله بالمعاصي والرياء والعجب … إلى غير ما هنالك ، فنهاه الله عن ذلك ، فعلى المؤمن أن يحافظ على ما يقدم من الطاعات . ثم بين الله تعالى أنه لا يغفر الشرك ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، حتى لا يظن الظان أن المؤمن إن أبطل عمله بالمعاصي فقد هلك ، بل فضلُ الله باق يغفر له بفضله ، وإن لم يغفر له بعمله . وإذا كان أمر الكفار في الآخرة هذا ، فأمرهم في الدنيا كذلك من الذلة والحقارة ، فلا تضعفوا أيها المؤمنون في ملاقاتهم ، ولا تجبنوا عن قتالهم ، فالنصر لكم آجلاً أو عاجلاً ، فلا تدعوا الكفار إلى الصلح خوراً ، وإظهاراً للعجز فإن ذلك إعطاء للدنية ، وأنتم الأعلون عزةً وقوةً ورفعة مكانة ، وذلك لأن الله معكم يؤيدكم بنصره ، ويؤيدكم بقوته ، ولن ينقصكم من أعمالكم شيئاً بل يعطيكم ثوابها كاملاً خير منقوص . فائدة أولاً : أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع ( لا إلٰه إلا الله ) ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت : { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَٰلَكُمْ } فخافوا أن يبطل الذنب العمل . ولفظ عبد بن حميد " فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالهم " . ثانياً : وأخرج ابن نصر المروزي وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبولاً حتى نزلت { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَٰلَكُمْ } فلما نزلت هذه الآية قلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا : الكبائر الموجبات ، والفواحش ، فكنا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا : قد هلك ، حتى نزلت هذه الآية : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك ، وكنا إذا رأينا أحداً أصاب منها شيئاً خفنا عليه ، وإن لم يصب منها شيئاً رجونا له . وجوه القراءات أولاً : قوله تعالى : { وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } قرأ الأكثرون بفتح السين ( السّلْم ) . وقرأ الحسن وحمزة وغيرهما بكسر السين ( السِّلْم ) . ثانياً : قوله تعالى : { تَدْعُوۤاْ } قرأ الجمهور تدعوا مضارع دعا . وقرأ السّلمي بتشديد الدال تدَّعوا : أي تفتروا . وجوه الإعراب 1 - قوله تعالى : { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } جملة حالية وكذا ( والله معكم ) . ويجوز أن يكونا جملتي استئناف أخبر أولاً بقوله أنتم الأعلون فهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود ، ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها وهي كون الله تعالى معهم . فلا تهنوا : الفاء فصيحة في جواب شرط مفهوم مما قبله أي إذا علمتم أن الله مبطل أعمالهم ومعاقبهم فهو خاذلهم في الدنيا والآخرة فلا تبالوا بهم ، ولا تظهروا ضعفاً . وقيل : هي لترتيب النهي على ما سبق من الأمر بالطاعة . وتدعوا إلى السلم : عطف على تهنوا داخل في حيّز النهي . وجُوِّز أن يكون منصوباً بإضمار أن فيعطف المصدر المسبوك على مصدر متصيّد مما قبله . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : قال الفخر الرازي : " قوله تعالى : { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } العطف ها هنا من باب عطف المسبب على السبب يقال اجلس واسترح وقم وامش ، لأن طاعة الله تَحْمل على طاعة الرسول " . وقال الألوسي : " وإعادة الفعل في قوله : { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } للاهتمام بشأن إطاعته عليه الصلاة والسلام " . اللطيفة الثانية : قوله تعالى : { وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَٰلَكُمْ } الآية . قال الفخر الرازي : يحتمل وجوهاً : أحدها : دوموا على ما أنتم عليه ولا تشركوا فتبطل أعمالكم قال تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] . الوجه الثاني : لا تبطلوا أعمالكم بترك طاعة الرسول كما أبطل أهل الكتاب أعمالهم بتكذيب الرسول وعصيانه ويؤيده قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } [ الحجرات : 2 ] . الثالث : لا تبطلوا أعمالكم بالمنّ والأذى كما قال تعالى : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ } [ الحجرات : 17 ] . وقد اختلف فيما يبطل الأعمال على أقوال : قال الحسن : المعاصي والكبائر . وقال عطاء : الشك والنفاق ونقل عن ابن عباس . وقال ابن عباس : الرياء والسمعة ونقل عن ابن جريج . وقال مقاتل : المن . وقيل : العُجْب فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب . وقيل المراد بالأعمال الصدقات أن تعطلوها بالمن والأذى . قال القرطبي : وكله متقارب وقول الحسن يجمعه . اللطيفة الثالثة : قوله تعالى : { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } : استعمال العلو في رفعة المنزلة مجاز مشهور ، أي أنتم أعز منهم لأنكم مؤمنون والحجة لكم ، وإن غلبوكم في بعض الأوقات وذلك كقوله تعالى : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] . وقيل { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } : أي أنتم أعلم بالله منهم . وقال الجصاص : أي وأنتم أولى بالله منهم . وكلها متقاربة فالإيمان يرفع منزلة أهله ويعزهم . اللطيفة الرابعة : قال الفخر الرازي : قوله { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ } وعد لأن الله تعالى لما قال : { وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } كان فيه أن النصر بالله لا بكم ، فكأَن القائل يقول : لم يصدر مني عمل له اعتبار ، فلا استحق تعظيماً ، فقال : هو ينصركم ومع ذلك لا يَنْقُص من أعمالكم شيئاً ، ويجعل كأن النُصرة جعلت بكم ، ومنكم ، فكأنكم مستقلون في ذلك ، ويعطيكم أجر المستبد . اللطيفة الخامسة : في الآية الكريمة دعوة إلى العزّة والكرامة ، وتشجيع للمؤمنين للجهاد والنضال ، لمجابهة أعدائهم دون وهن أو خور ، لأن المؤمن لا يرضى بحياة الذل والهوان ، وقد أحسن من قال : @ عش عزيزاً أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود @@ الأحكام الشرعية الحكم الأول : قوله تعالى : { وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَٰلَكُمْ } يدل على أن كل من دخل في قُربة ، لم يجز له الخروج منها قبل إتمامها . واختلف العلماء في هذا الحكم على مذهبين . فذهب ( الشافعي وأحمد ) إلى أن للمرء أن يترك النافلة إذا شرع فيها ولا شيء عليه ما عدا الحج فيجب عليه الإتمام ، وأما في الصلاة والصوم فيستحب له الإتمام ولا يجب . وذهب ( أبو حنيفة ومالك ) إلى أنه ليس له ذلك ، فإذا أبطله وجب عليه القضاء . أدلة المذهب الأول : قالوا : هو تطوع ، والمتطوع أمير نفسه ، وإلزامه إياه مخرج عن وصف التطوع قال تعالى : { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } [ التوبة : 91 ] . وقالوا في جواب الاستدلال بالآية : المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض . فنهي الرجل عن إحباط ثوابه ، فأما ما كان نفلاً فلا ، لأنه ليس واجباً عليه . واللفظ في الآية وإن كان عاماً ، فالعام يجوز تخصيصه ، ووجه تخصيصه أن النفل تطوع والتطوع يقتضي تخييراً . أدلة المذهب الثاني : قوله تعالى : { وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَٰلَكُمْ } أفاد أن التحلل من التطوع بعد التلبس به لا يجوز لأن فيه إبطال العمل وقد نهى الله عنه . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أنا وحفصة صائمتين فأهدي لنا طعام ، فأكلنا منه فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت حفصة وبدرتني ، وكانت بنت أبيها : يا رسول الله ، إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه فقال : " اقضيا مكانه يوماً " . وقالوا في جواب دليل المذهب الأول : المتطوع أمير نفسه ، ولا سبيل عليه قبل أن يشرع أما إذا شرع فقد ألزم نفسه ، وعقد عزمه على الفعل ، فوجب أن يؤدي ما التزم وأن يوفي بما عقد قال تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [ المائدة : 1 ] . ثم اللفظ عام في الآية يشمل التطوع وغيره . الحكم الثاني : قوله تعالى : { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } . فيه دلالة على أنه لا يجوز طلب الصلح من المشركين ، فأما إذا كان في الكفار قوة ، وكثرة بالنسبة إلى جمع المسلمين ، ورأى الإمام المسلم في المهادنة ، والمعاهدة مصلحة ، فله أن يفعل ذلك ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صده كفار قريش عن مكة ودعوه إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين فأجابهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك . فائدة : دلّ قوله تعالى : { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ … } الآية على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكة صلحاً ، وإنما فتحها عَنوةً ، لأن الله تعالى قد نهاه عن الصلح في هذه الآية .