Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 6-10)

Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ 1 ] التثبت من الأخبار التحليل اللفظي { فَاسِقٌ } : الفاسق : الخارج من حدود الشرع ، والفسقُ في أصل الاشتقاق موضوع لما يدل على معنى ( الخروج ) مأخوذ من قولهم : فسقت الرُطبةُ إذا خرجت من قشرها ، وسمّي الفاسق فاسقاً لانسلاخه عن الخير . وفي اللسان : الفسق : العصيان والترك لأمر الله عز وجل ، والخروج عن طريق الحق ، ومنه قوله تعالى : { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [ الكهف : 50 ] أي خرج من طاعة ربه ، والفواسق من النساء : الفواجر قال الشاعر : @ فواسقاً من أمره جوائراً @@ قال الراغب : والفسق أعم من الكفر ، لأنه يقع بالقليل والكثير من الذنوب ، ولكن تعورف فيما كان بالكثير ، وأكثر ما يقال لمن كان مؤمناً ثم أخلّ بجميع الأحكام أو ببعضها . { بِنَبَإٍ } : النبأ في اللغة : الخبر ، والجمع أنباء كذا في " القاموس " و " اللسان " ، ويرى بعض اللغويين أنه لا يقال للخبر : نبأ حتى يكون هامّاً ، ذا فائدة عظيمة ، فكل خبر هام يسمّى ( نبأ ) قال تعالى : { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [ النمل : 22 ] وقال عز وجلّ { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ صۤ : 67 - 68 ] وأمّا إذا لم يكن هاماً فلا يقال له نبأ . قال الراغب : لا يقال للخبر في الأصل ( نبأ ) حتى يكون ذا فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن . { فَتَبَيَّنُوۤاْ } : التبيّن : طلب البيان والتعرّف ، وقريب منه التثبت ، والمراد به هنا التحقق والتثبت من الخبر حتى يكون الإنسان على بصيرة من أمره . ومعنى الآية الكريمة : إن جاءكم فاسق بنبأ عظيم له نتائج خطيرة ، فلا تقبلوا قوله حتى تتثبّتوا وتتحققوا من صدقه ، لتأمنوا العاقبة . { بِجَهَٰلَةٍ } : أي جاهلين حالهم ، أو تصيبوهم بسبب جهالتكم أمرهم . { نَٰدِمِينَ } : الندم : الغم على وقوع شيء مع تمني عدم وقوعه ، يقال : ندم على الشيء ، وندم على ما فعل ندماً وندامة ، وتندّم أسِف ، كذا في " اللسان " . والمراد بالندم : الهمّ الدائم ، والنون والدال والميم في تقاليبها لا تنفك عن معنى الدوام كما في قولهم : أدمن في الشرب ، ومَدَنَ أي أقام ومنه المدينة . { لَعَنِتُّمْ } : أي لوقعتم في العَنَت ، قال ابن الأثير : العنت : المشقة ، والفساد ، والهلاك . وقال في " اللسان " : العنت : الهلاك ، وأعنَتَه : أوقعه في الهلكة ، وقوله تعالى : { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } أي لوقعتم في الفساد والهلاك . يقال : فلان يتعنّت فلاناً أي يطلب ما يؤديه إلى الهلاك ، ويقال أعنَتَ العظمُ إذا كسر بعد الجبر . { ٱلرَّٰشِدُونَ } : جمع راشد ، وهو المهتدي إلى محاسن الأمور ومنه سمي الخلفاء الراشدون ، والرَشَد الاستقامة على طريق الحق مع تصلّب فيه ، من الرشّاد وهو الصخر . { بَغَتْ } : البغي : التطاول والفساد قال تعالى : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } [ القصص : 76 ] . وأصل البغي : مجاوزة الحد في الظلم والطغيان ، والفئة الباغية : هي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل وفي الحديث ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية ) . قال في اللسان : وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حدّ الشيء بغيٌ ، وفي التنزيل : { بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ } [ صۤ : 22 ] . { تَفِيۤءَ } : أي ترجع إلى الطاعة ، وفاء إلى الشيء : رجع إليه ومنه قوله تعالى : { فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة : 226 ] أي رجعوا . والفيء : ما رجع إلى المسلمين من الكفار بدون حرب . { ٱلْمُقْسِطِينَ } : العادلين المحقين ، من الرباعي ( أقسط ) بمعنى عدل ، وأمّا ( قَسَطَ ) فمعناه ظلم وقد تقدّم . المعنى الإجمالي يقول الله تبارك وتعالى ما معناه : يا أيها المؤمنون ، يا من أتصفتم بالإيمان ، وصدّقتم بكتاب الله ، وآمنتم برسوله ، وعلمتم علم اليقين أنّ ما جاءكم به الرسول حق لأنه من عند الله ، لا تسمعوا لكل خبر ، ولا تصدّقوا كل إنسان ، بل تحقّقوا وتثبتوا من الأمر ، قبل أن تصيبوا إخوة لكم مؤمنين ، بسبب خبر لم تتحققوا من صحته ، وكلام لم تتأكدوا من صدقه ، فتندموا على ما فرط منكم ، ولكن لا ينفعكم حينئذٍ الندم . واعلموا - أيها المؤمنون - أن فيكم السيّد المبجّل ، والنبيّ المعظّم ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، الذي يطلعه الله على الخفايا ، فلا تحاولوا أن تستميلوه لرأيكم ، ولو أنه استجاب لكم ، وأطاعكم في غالب ما تشيرون به عليه ، لوقعتم في الجهد والهلاك ، ولكنّ الله - بمنّه وفضله - حفظه وحفظكم ، ونوّر بصائر أتباعه المؤمنين ، وحبّب إليهم الإيمان ، وبغّض إليهم الكفّر والفسوق والعصيان ، وأرشدهم إلى سبيل الخير والسعادة . ثمّ عقّب تعالى بما يترتب على سماع مثل هذه ( الأنباء المكذوبة ) من تخاصم ، وتباغض ، وتقاتل ، فقال : إذا رأيتم أيها المؤمنون طائفتين من إخوانكم جنحتا إلى القتال والعدوان ، فابذلوا جهدكم للتوفيق بينهما ، وادعوهما إلى النزول على حكم الله ، فإن اعتدت إحدى الطائفتين على الأخرى وتجاوزت حدّها بالظلم والطغيان ، وأرادت أن تبغي في الأرض ، فقاتلوا تلك الطائفة الباغية ، حتى تثوب إلى رشدها ، وترضى بحكم الله عز وجلّ ، وتقلع عن البغي والعدوان ، فإذا كفّت عن العدوان فأصلحوا بينهما بالعدل ، لأنهم إخوتكم في الدين ، ومن واجب المسلمين أن يَصْلحوا بين الإخوان ، لا أن يتركوا البغضاء تدبّ ، والفرقة تعمل عملها ، لأنّ المؤمنين جميعاً إخوة ، جمعتهم ( رابطة الإيمان ) وليس ثمة طريق إلى إعادة الصفاء إلاّ بالإصلاح بين المتخاصمين ، فهو سبيل الفلاح ، وطريق الفوز والنجاح ، واتقوا الله لتنالكم رحمته ، وتسعدوا بمرضاته ولقائه . سبب النزول أولاً : روى الإمام أحمد عن الحارث بن ضرار الخزاعي أنه قال : " قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام ، فدخلتُ فيه وأقررت به ، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت : يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام ، وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته ، وترسل إليّ يا رسول الله رسولاً لإبّان كذا ، وكذا ، ليأتيك بما جمعت من الزكاة . . فلمّا جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له ، وبلغ زمان الوعد الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه ، احتبس الرسول فلم يأت ، فظنّ الحارث أن قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله ، فدعا سَرَوَات قومه فقال لهم : رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ وقَّت لي وقتاً يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندنا من الزكاة ، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخُلْف ، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطةٍ عليَّ ، فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وبعث رسول الله ( الوليد بن عقبة ) إلى الحارث ليقبض ما كان عنده ممّا جُمع من الزكاة ، فلمّا سار حتى بلغ بعض الطريق ، فَرِق فرجع ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البَعْث إلى الحارث ، فأقبل الحارث بأصحابه حتى استقبله البعث وقد فصل عن المدينة ، قالوا : هذا الحارث . فلما غشيهم قال إلى أين ؟ قالوا : إليك ، قال : ولم ، قالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك ( الوليد بن عقبة ) فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله ، قال : لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته ، ولا أتاني ، فلما دخل الحارث على النبي صلى الله عليه وسلم قال : منعتَ الزكاة وأردتَ قتل رسولي ؟ قال : لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني ، وما أقبلتُ إلاّ حين احتبس عليّ رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، خشية من أن تكون سخطة من الله ورسوله عليّ ، فنزلت الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ … } . قال الإمام الفخر : ما ذكره المفسّرون من أنها نزلت بسبب ( الوليد بن عقبة ) حين بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق ليقبض صدقاتهم … الخ إن كان مرادهم أن الآية نزلت عامة لبيان وجوب التثبت في خبر الفاسق ، وأنها نزلت في ذلك الحين الذي وقعت فيه حادثة الوليد فهذا جيد ، وإن كان غرضهم أنها نزلت لهذه الحادثة بالذات فهذا ضعيف ، لأن الوليد لم يتقصّد الإساءة إليهم ، ورواية الإمام أحمد تدل على أنّ الوليد خاف وفَرق حين رأى جماعة الحارث - وقد خرجت في انتظاره - فظنّها خرجت لحربه فرجع وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما أخبره ظناً منه أنهم خرجوا لقتاله . يقول الإمام الفخر : " ويدل على ضعف قول من يقول إنها نزلت لكذا أن الله تعالى لم يقل : إني أنزلتها لكذا والنبي عليه السلام لم ينقل عنه أنه بيّن أن الآية وردت لبيان ذلك فحسب ، غاية ما في الباب أنها نزلت في ذلك الوقت وهو مثل التاريخ لنزول الآية ، ويتأكد ما ذكرنا أن اطلاق لفظ ( الفاسق ) على الوليد شيء بعيد ، لأنه توهّم وظنّ فأخطأ ، والمخطئ لا يسمى فاسقاً ، وكيف والفاسق في أكثر المواضع المرادُ به من خرج من ربقة الإيمان لقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } [ المنافقون : 6 ] وقوله تعالى : { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [ الكهف : 50 ] وقوله تعالى : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ } [ السجدة : 20 ] إلى غير ذلك . ب - وأمَّا قوله تعالى : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } فقد ذُكِر في سبب نزولها ما يأتي : أولاً : أخرج البخاري ومسلم وابن جرير وغيرهم عن أنس رضي الله عنه أنه قال : " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيتَ ( عبد الله بن أُبَي ) فانطلَقَ إليه وركب حماراً ، وانطلق معه المسلمون يمشون ، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال : إليك عني ، فوالله لقد آذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار : واللَّهِ لحمارُ رسول الله أطيب ريحاً منك ، فغضب لعبد الله رجل من قومه ، وغضب للأنصاري آخرون من قومه ، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنّعال ، فأنزل الله فيهم : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } . ثانياً : وروى الشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يعود ( سعد بن عُبادة ) فمرّ بمجلس فيهم عبد الله بن أُبَيّ ، وعبد الله بن رواحة ، فخمّر ابن أُبيّ وجهه بردائه ، وقال : لا تغبّروا علينا ، فقال عبد الله بن رواحة : لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك ، فتعصّب لكل أصحابه فتقاتلوا حتى كان بينهم ضرب بالنعال والأيدي والسّعف فنزلت الآية . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : سورة الحجرات تسمّى سورة ( الأخلاق والآداب ) فقد أرشدت إلى مكارم الأخلاق ، وجاء فيها النداء بوصف الإيمان بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } خمس مرات ، وفي كل مرة إرشاد إلى مكرمة من المكارم ، وفضيلة من الفضائل ، وهذه الآداب الرفيعة نستعرضها في فقرات وهي : 1 - وجوب الطاعة والانقياد لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم التقدم عليه برأي أو قول : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ … } [ الحجرات : 1 ] أي لا تَعْجَلوا بقولٍ أو فعل قبل أن يقول فيه رسول الله أو يفعل . 2 - احترام الرسول وتعظيم شأنه وعدم رفع الصوت في حضرته { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ … } [ الحجرات : 2 ] الآية . 3 - وجوب التثبت من صحة الأخبار ، وعدم الاعتماد على أقوال الفسقة المفسدين { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ … } الآية . 4 - النهي عن السخرية بالناس وعن التنابز بالألقاب { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ … } [ الحجرات : 11 ] الآية . 5 - النهي عن التجسّس ، والغيبة ، وسوء الظن ، وعن سائر الأخلاق الذميمة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً … } [ الحجرات : 12 ] الآية . فهذه السورة الكريمة التي لا تتجاوز ثماني عشرة آية ، قد جمعت الفضائل والآداب الإنسانية ، فلا عجب أن تسمى ( سورة الآداب ) أو ( سورة الأخلاق ) فهي تتناول الأدب مع الله ، والأدب مع الرسول ، والأدب مع النفس ، والأدب مع المؤمنين ، والأدب مع الناس عامة ، وكلها بهذا الشكل الرتيب . اللطيفة الثانية : تصدير الخطاب بالنداء { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } لتنبيه المخاطبين على أنّ ما بعده أمر خطير ، يستدعي مزيد العناية والاهتمام بشأنه ، ووصفهم بالإيمان لتنشيطهم والإيذان بأنه داع للمحافظة عليه ، ووازع عن الإخلال به . أفاده العلامة أبو السعود . اللطيفة الثالثة : قوله تعالى { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } في هذا التعبير إشارة لطيفة إلى أن المؤمن ينبغي أن يكون حذراً يقظاً ، لا يقبل كلّ كلام يلقى على عواهنه ، دون أن يعرف المصدر ، وتنكير ( فاسق ) للتعميم ، لأنه نكرة في سياق الشرط ، وهي كالنكرة في سياق النفي تفيد العموم كما قرّره علماء الأصول ، والمعنى إن جاءكم أيّ فاسق فتثبتوا من خبره ، وجاء بحرف التشكيك ( إن ) ولم يقل ( إذا ) التي تفيد التحقيق ، ليشير إلى أنّ وقوع مثل هذا إنما هو على سبيل ( النّدرة ) إذْ الأصل في المؤمن أن يكون صادقاً ولمَّا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمنزلة التي لا يجسر أحد أن يخبرهم بكذب ، وما كان يقع مثل ما فرط من ( الوليد بن عقبة ) إلاّ في النّدرة قيل : { إِن جَآءَكُمْ } بحرف الشك . فتدبر أسرار الكتاب العزيز . اللطيفة الرابعة : قوله تعالى : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } تقديم خبر أنّ على اسمها ليفيد معنى الحصر ، المستتبع لزيادة التوبيخ لهم على ما فرط منهم في حقّ الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي الكلام إشعار بأنّهم زيّنوا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم الايقاع بالحارث وقومه ، وقد أريد أن ينعى عليهم ذلك بتنزيلهم منزلة من لا يعلم أنه عليه السلام بين أظهرهم . قال الإمام الفخر رحمه الله : " والذي اختاره وكأنه هو الأقوى أن الله تعالى لما قال : { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ } أي فتثبّتوا واكشفوا قال بعده : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } . أي الكشفُ سهل عليكم بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه فيكم مبيّن مرشد ، وهذا كما قال القائل عند اختلاف تلاميذ شيخٍ في مسألة ، هذا الشيخ قاعد … لا يريد به بيان قعوده ، وإنما يريد أمرهم بالرجوع إليه . فكأن الله تعالى يقول : استرشدوا بالرسول صلى الله عليه وسلم فإن يعلم ولا يطيع أحداً ، فلا يوجد فيه حيف ، ولا يروج عليه زيف ، لأنه لا يعتمد على كثير من آرائكم التي تبدونها ، وإنما يعتمد على الوحي الذي يأتيه من عند الله " . اللطيفة الخامسة : صيغة المضارع تفيد ( الاستمرار والتجدّد ) بخلاف الماضي ، فالعدول عن الماضي إلى المضارع في قوله تعالى : { لَوْ يُطِيعُكُمْ } ليفيد هذا المعنى على أنهم كانوا يريدون إطاعة الرسول لهم إطاعة مستمرة بدليل قوله تعالى : { فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } وذلك أن صيغة المضارع تفيد التجدد والاستمرار ، تقول : فلانَ يقري الضيف ، ويحمي الحريم ، تريد أن ذلك شأنه وأنه مستمر على ذلك . قال العلامة الألوسي : " وفي هذا التعبير { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } مبالغات من أوجه : أحدها : إيثار ( لو ) ليدلّ على الفرض والتقدير . والثاني : ما في العدول إلى المضارع من إرادة استمرار ما حقه أن يفرض للتهجين والتوبيخ . والثالث : ما في لفظ ( العنت ) من الدلالة على أشدّ المحذورة ، فإنه الكسر بعد الجبر . والرابع : ما في الخطاب ، والجدير به غير ( الكُمّل ) ليكون أردع لمرتكبه وأزجر . وكأنّ الله تعالى يقول : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا ولا تكونوا أمثال هؤلاء الذين استفزهم النبأ قبل التعرف على صدقه ، ثم لم يكتفوا حتى أرادوا أن يحملوا الرسول على رأيهم ، ليوقعوا أنفسهم ويوقعوا غيرهم في العنت والإرهاق ، واعلموا جلالة قدر الرسول صلى الله عليه وسلم وتفادَوْا عن أمثال هذه الأخطاء . اللطيفة السادسة : قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ } التفات من الخطاب إلى الغيبة كقوله تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } [ الروم : 39 ] وهذا الالتفات من المحسّنات البديعية كما قرّره علماء البلاغة ، ويقصد به التعظيم أي هؤلاء الذين حبّب الله إليهم الإيمان ، وزيّنه في قلوبهم وكرّه إليهم الكفر والفسوق العصيان ، هم الذين بلغوا أرفع الدرجات وأعلى المناصب ، ونالوا هذه الرتبة العظيمة ( رتبة الرشاد ) فضلاً من الله وكرماً . اللطيفة السابعة : قوله تعالى { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } الطائفة في اللفظ مفرد ، وفي المعنى جمع ، لأنها تدل على عدد كبير من الناس ، ولهذا جاء التعبير بقوله ( اقتتلوا ) رعايةً للمعنى فإن كلّ طائفةٍ من الطائفتين جماعة ، ثم قال تعالى : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } ولم يقل بينهم رعايةً للفظ ، والنكتة في هذا هو ما قيل : إنهم عند الاقتتال تكون الفتنة قائمة وهم مختلطون فلذا جمع الضمير ، وفي حال الصلح تتفّق كلمة كل طائفة حتى يكونوا كنفسين فلذا ثُنّي الضمير . اللطيفة الثامنة : قال الإمام الفخر رحمه الله : قال تعالى : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ولم يقل ( منكم ) مع أنّ الخطاب مع المؤمنين لسبق قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } تنبيهاً على قبح ذلك ، وتبعيداً لهم عنهم . كما يقول السيد لعبده : إن رأيت أحداً من غلماني يفعل كذا فامنعه ، فيصير بذلك مانعاً للمخاطَب عن ذلك الفعل بالطريق الحسن ، كأنه يقول : أنت حاشاك أن تفعل ذلك ، فإن فعل غيرك فامنعه ، كذلك هٰهنا قال : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ولم يقل منكم لما ذكرنا من التنبيه مع أن المعنى واحد . اللطيفة التاسعة : قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } فيه تشبيه لطيف يسمى ( التشبيه البليغ ) وأصل الكلام : المؤمنون كالإخوة في وجوب التراحم والتناصر فحذف وجه الشبه وأداة الشبه فأصبح بليغاً ، قال بعض أهل اللغة : الإخوة جمع الأخ من النسب ، والإخوان جمع الأخ من الصداقة ، فالله تعالى قال : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } تأكيداً للأمر وإشارة إلى أنّ ما بينهم كما بين الإخوة من النسب ، والإسلام لهم كالأب فأخوّة ( العقيدة ) فوق أخوة ( الجسد ) ورابطة الإيمان أقوى من رابطة النسب ، وقد قال الشاعر العربي : @ أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم @@ اللطيفة العاشرة : سئل بعض العلماء عمّا وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم من قتال فقال : تلك دماء قد طهّر الله منها أيدينا ، فلا نلوّث بها ألسنتنا ، وسبيلُ ما جرى بينهم كسبيل ما جرى بين يوسف وإخوته . وسئل ( الحسن البصري ) عن قتالهم فقال : ( قتالٌ شَهِدَهُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا ، وعلموا ، وجهلنا ، واجتمعوا فاتّبعنا ، واختلفوا فوقفنا ) . وقال المحاسبي : فنحن نقول كما قال الحسن ، ولا نبتدع رأياً منا ، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا وجه الله عز وجلّ . وجوه القراءات 1 - قوله تعالى : { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ } قرأ الجمهور ( فتبيّنوا ) من التبيّن ، وقرأ حمزة والكسائي ( فتثبتوا ) من التثبت ، والمعنى واحد لأن التبيّن معناه في اللغة التثبت والتحقق . 2 - قوله تعالى : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } قرأ الجمهور ( اقتتلوا ) بصيغة الجمع ، وقرأ أُبي بن كعب ، وابن مسعود ( اقتتلا ) بالتثنية على فعل اثنين مذكّرين ، وقرأ أبو المتوكل ، وابن أبي عبلة ( اقتتلتا ) بتاء وألف بعد اللام على فعل اثنتين مؤنثتين . 3 - قوله تعالى : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } قرأ الأكثرون ( بين أخويكم ) بياء التثنية ، وقرأ أبي بن كعب ، وابن جُبير ( بين إخوتكم ) بالتاء على الجمع ، وقرأ الحسن وابن سيرين ( بين إخوانكم ) بالنون وألف قبلها ويكون المراد بين الأوس والخزرج . وجوه الإعراب 1 - قوله تعالى : { فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَٰلَةٍ } في تقديره وجهان : أحدهما : أن يكون التقدير لئلا تصيبوا وهو مذهب الكوفيّين . والثاني : أن يكون التقدير كراهية أن تصيبوا أو خشيَة أن تصيبوا وهو مذهب البصريين . 2 - قوله تعالى : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } عطف على ما قبله و ( أنّ ) وما بعدها في تأويل مصدر سدّت مسدّ مفعولي ( اعلموا ) . 3 - قوله تعالى : { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً } في إعرابه وجهان : أحدهما : أن يكون منصوباً على المفعول له . والثاني : أن يكون مصدراً مؤكداً لما قبله أي تفضلاً من الله . 4 - قوله تعالى : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } . ( إنْ ) شرطية جازمة ، و ( طائفتان ) فاعل لفعل محذوف يفسّره المذكور تقديره : إن اقتتل طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، وإنما قدّرنا ذلك لأنّ الشرط في ( إنْ ) أن يليها الفعل ، فإن وليها اسم قدّروا لها فعلاً يفسّره ما بعده . قال ابن الأنباري : ولا يجوز أن يحذف الفعل مع شيء من كلمات الشرط العاملة إلاّ مع ( إنْ ) لأنها الأصل في كلمات الشرط ، ويثبت للأصل ما لا يثبتُ للفرع . الأحكام الشرعية الحكم الأول : هل يُقبل خبر الواحد إذا كان عدلاً ؟ استدل العلماء بهذه الآية الكريمة { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } على قبول خبر الواحد إذا كان عدلاً ووجه الاستدلال من جهتين : الأولى : أن الله تعالى أمر بالتثبت في خبر الفاسق ، ولو كان خبر الواحد العدل لا يقبل لما كان ثمة فائدة من ذكر التثبّت ، لأن خبر كلٍ من العدل والفاسق مردود ، فلما دلّ الأمر بالتثبت في خبر الفاسق ، وجب قبول خبر العدل ، وهذا الاستدلال كما يقول علماء الأصول من باب ( مفهوم المخالفة ) . الثانية : أن العلة في ردّ الخبر هي ( الفسق ) لأن الخبر أمانة ، والفسقُ يبطلها ، فإذا انتفت العلة انتفى الرد ، وثبت أن خبر الواحد ليس مردوداً ، وإذا ثبت ذلك وجب حينئذٍ قبوله والعمل به . وأمّا المجهول : الذي لا تُعلم عدالته ولا فسقه فقد استدل فقهاء الحنفية على قبول خبره ، وحجتهم في ذلك أن الآية دلت على أنّ الفسق شرط وجوب التثبت ، فإذا انتفى الفسق فقد انتفى وجوبه ، ويبقى ما وراءه على الأصل وهو قبول خبره ، لأن الأصل في المؤمن العدالة . وأنت ترى أنّ هذا الاستدلال مبنيٌ على أنّ الأصل العدالة ، ولكنّ بعض الفقهاء يعارض في هذا ويقول : الأصل الفسق لأنه أكثر ، والعدالة طارئة فلا يقبل قوله حتى يتثبت من عدالته . الترجيح : والظاهر أن مسألة قبول خبر المجهول مبنيّة على هذا ، فإن صحّ أن الأصل العدالة فهو باق على عدالته حتى يتبيّن خلافها ، وإن كان الأصل عدمها فهو داخل في حكم الفسق حتى تتبيّن عدالته ، والمسألة تطلب بالتفصيل من كتب الأصول . الحكم الثاني : هل يجب البحث عن عدالة الصحابة في الشهادة والرواية ؟ استدل بعض العلماء بالآية الكريمة على أنّ من الصحابة من ليس بعدل ، لأنّ الله تعالى أطلق لقب الفاسق على ( الوليد بن عقبة ) فإنها نزلت فيه ، وسببُ النزول لا يمكن إخراجه من اللفظ العام ، وهو صحابي بالاتفاق ، وقد أمر الله بالتثبت من خبره ، فلا بدّ من البحث عن عدالة الصحابة في الشهادة والرواية . والمسألة خلافية وفيها أقوال كثيرة نذكرها بإيجاز : الأول : أن الصحابة كلّهم عدول ، ولا يبحث عن عدالتهم في رواية ولا شهادة ، وهذا رأي جمهور العلماء سلفاً وخلفاً . الثاني : أن الصحابة كغيرهم يُبحث عن العدالة فيهم في الرواية والشهادة إلا من يكون ظاهر العدالة أو مقطوعها كالشيخين ( أبي بكر ) و ( عمر ) رضي الله عنهما . الثالث : أنهم عدول إلى زمن عثمان رضي الله عنه ، ويبحث عن عدالتهم من مقتله ، وهذا رأي طائفة من العلماء . الرابع : أنهم عدول إلاّ من قاتل علياً كرّم الله وجهه لفسقه بالخروج على الإمام الحق وهذا مذهب المعتزلة . الترجيح : والحق ما ذهب إليه جمهور العلماء سلفاً وخلفاً من أن الصحابة كلهم عدول ، ببركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومزيد ثناء الله عزّ وجلّ عليهم في كتابه العزيز كقوله سبحانه : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [ البقرة : 143 ] أي عدولاً ، وقوله سبحانه : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 110 ] وقوله جلّ ذكره : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] . وقوله جلّ وعلا : { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [ الحشر : 8 ] وقوله جلّ وعلا : { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [ المائدة : 119 ] إلى آخر ما هناك من الآيات الكثيرة . وكذلك ما ثبت في السنة المطهرة من مدحهم ، والثناء عليهم ، وبيان أنهم أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاطلاق ، ونحن نذكر بعض هذه الأحاديث الشريفة التي تشير إلى فضيلتهم باختصار . أ - قال صلى الله عليه وسلم : " خير الناس قرني ، ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم " الحديث . ب - وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تسبُّوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه " . جـ - وقال صلى الله عليه وسلم : " اللَّهَ اللَّهَ في أصحابي ، لا تتّخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبّهم فبحبي أحبّهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه " . فهذه الأخبار التي وردت في الكتاب والسنة كلها متضافرة على عدالة الصحابة وأفضليتهم على سائر الناس ، وما وقع من بعضهم من مخالفات فليس يسوغ لنا أن نحكم عليهم بالفسق ، لأنهم لا يصرّون على الذنب ، وإذا تاب الإنسان رجعت إليه عدالته ولا يحكم بفسقه على التأبيد ، فهذا ( ماعز الأسلمي ) الذي ارتكب الفاحشة يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمر برجمه " لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم " . والقولُ : بأنَّ بعض الصحابة قد وقع في الذنب والمخالفة - بناء على الاعتقاد بعدم عصمتهم - لا يعني أنهم غير عدول ، لأن الفاسق الذي ترد شهادته وروايته هو الذي يصرّ على الذنب والمعصية ، وليس في الصحابة من يصر على ذلك . وقد عرفتَ ما ذكره الإمام الفخر أنها لم تنزل خاصة بسبب ( الوليد بن عقبة ) وإنما نزلت عامة في بيان حكم كل فاسق ، وأنها نزلت في ذلك الوقت الذي حدثت فيه تلك القصة ، فهي مِثْل التاريخ لنزول الآية ، وكلامُ الإمام الفخر نفيس فارجع إليه . الحكم الثالث : هل تقبل شهادة الفاسق أو المبتدع ؟ اتفق العلماء على أن شهادة الفاسق لا تقبل عملاً بالآية الكريمة { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ } ، وكذلك لا تقبل روايته ، لأن الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانة ودين ، والفسقُ يبطلها لاحتمال كذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال القرطبي : " ومن ثبتَ فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعاً ، لأن الخبر أمانة ، والفسق قرينة يبطلها " . وقال الجصّاص : " وقوله تعالى : { فَتَبَيَّنُوۤاْ } اقتضى ذلك النهي عن قبول شهادة الفاسق مطلقاً ، إذ كان كل شهادة خبراً ، وكذلك سائر أخباره ، فلذلك قلنا : شهادة الفاسق غير مقبولة في شيء من الحقوق ، وكذلك أخباره في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلّ ما كان من أمر الدين ، يتعلّق به إثبات شرع ، أو حكم ، أو إثبات حق على إنسان " . وقد استثنى العلماء من قبول خبر الفاسق أموراً تتعلّق بالمعاملات وليس فيها شهادة على الغير منها : أ - قبول قوله في الإقرار على نفسه مثل : لفلان عندي مائة درهم فيقبل قوله كما يقبل في ذلك قول الكافر ، لأنه إقرار لغيره بحق على نفسه فلا تشترط فيه العدالة . ب - قبول قوله في الهدية والوكالة مثل إذا قال : إنّ فلاناً أهدى إليك هذا ، يجوز له قبوله وقبضه ، ونحوه قوله : وكّلني فلان ببيع عبده هذا فيجوز شراؤه منه . جـ - وكذلك في الإذن بالدخول ونحوه كما إذا استأذن إنسان فقال له : ادخلْ لا تشترط فيه العدالة . ومثل هذا جميع أخبار المعاملات إذا لم يكن فيها شهادة على الغير . واختلف العلماء في أمر الولاية بالنكاح ، " فذهب الشافعي " وغيره إلى أن الفاسق لا يكون وليّاً في النكاح ، لأنه يسيء التصرف ، وقد يضرّ بمن يلي أمر نكاحها بسبب فسوقه . وقال أبو حنيفة ومالك : تصح ولايته ، لأنه يلي مالها فيلي بُضْعها كالعدل ، وهو - وإن كان فاسقاً - إلاّ أنّ غيرته موفّرة ، وبها يحمي الحريم ، وقد يبذل المال ويصون الحُرمة ، وإذا ولي المال فالنكاح أولى . أما المبتدع : وهو الفاسق الذي يكون فسقه بسبب الاعتقاد ، وهو متأول للنصوص كالجبرية والقدرية ويقال له : المبتدع بدعة واضحة ، فمن الأصوليّين من ردّ شهادته وروايته كالإمام الشافعي رحمه الله ومنهم من قبلهما ، وفرّق الحنفيّة فقالوا : تقبل منه الشهادة ، ولا تقبل منه الرواية ، لأنّ من ابتدع بدعة بسبب الدين فلا يبعد أن ينتصر لهواه ويدعو الناس إلى ذلك فنردّ روايته دون شهادته ، لأنّ الدعوة إلى مذهبه داعية إلى النقل فلا يؤتمن على الرواية . وهذا مذهب جمهور أئمة الفقه والحديث . الحكم الرابع : هل تصحّ ولاية الفاسق ؟ قال ابن العربي رحمه الله : " ومن العجب أن يجوّز الشافعيّ ونظراؤه إمامة الفاسق ، ومن لا يؤتمن على حبة مال كيف يصح أن يؤتمن على قنطار دَيْن ؟ ! وهذا إنما كان أصله أن الولاة الذين كانوا يصلّون بالناس ، لمّا فسدت أديانهم ولم يمكن ترك الصلاة وراءهم ، ولا استطيعت إزالتهم صُلّي معهم ووراءهم ، كما قال عثمان : الصلاة أحسن ما يفعل الناس ، فإذا أحسنوا فأحسنْ ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم . ثمّ كان من الناس من إذا صلى معهم تقيّة أعادوا الصلاة لله ، ومنهم من كان يجعلها صلاته ، وبوجوب الإعادة أقول ، فلا ينبغي لأحدٍ أن يترك الصلاة مع من لا يرضى من الأئمة ، ولكنْ يعيدُ سرّاً في نفسه ، ولا يؤثر ذلك عند غيره . وأمّا أحكامه إن كان والياً فينفذ منها ما وافق الحقّ ، ويردّ ما خالفه ، ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال ، ولا تلتفتوا إلى غير هذا القول من رواية تُؤْثر ، أو قول يُحْكى ، فإنّ الكلام كثير ، والحقّ ظاهر " . الحكم الخامس : هل يجب قتال أهل البغي ؟ ذهب جمهور العلماء إلى وجوب قتال أهل البغي ، الخارجين على الإمام أو أحد المسلمين ، ولكنْ بعد دعوتهم إلى الوفاق والصلح ، والسير بينهم بما يصلح ذات البين ، فإن أقاموا على البغي وجب قتالهم عملاً بقوله تعالى : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } . وذهب جماعة ممَّن يدَّعي العلم إلى عدم جواز قتال البغاة من المؤمنين ، واحتجوا بقوله عليه السلام : " سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر " . وهذا الحديث لا ينهض حجة لهم ، لأنّ من بغى من المؤمنين فقد أمر القرآن بقتاله ، فكيف يحتج بمثل هذا الحديث لإبطال حكم الله عز وجلّ ؟ قال القرطبي : وهذه الآية دليل على فساد قول من منع من قتال المؤمنين ، ولو كان قتال المؤمن الباغي كفراً لكان الله تعالى قد أمر بالكفر ، تعالى الله عن ذلك ! ! وقد قاتل الصدّيق رضي الله عنه من تمسّك بالإسلام وامتنع من الزكاة ، وأمر ألاّ يُتبع مولٍّ ، ولا يُجهز على جريح ، ولم تَحِلّ أموالهم بخلاف الكفار . وقال الطبري : " لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهربَ منه ولزوم المنازل ، لما أُقيم حد ، ولا أُبطل باطلٌ ، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلاً إلى استحلال كل ما حرّم الله عليهم من أموال المسلمين ، وسبي نسائهم ، وسفك دمائهم ، بأن يتحزّبوا عليهم ، ويكفّ المسلمون أيديهم عنهم ، وذلك مخالف لقوله عليه السلام : " خذوا على أيدي سفهائكم " . أدلة الجمهور : استدل الجمهور على وجوب قتال البغاة بعدة أدلة نوجزها فيما يلي : أ - قوله تعالى : { فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } الآية . ب - حديث : " سيخرج قوم في آخر الزمان ، حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، يقرؤون القرآن ، لا يجاوز إيمانُهُم حناجِرَهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة " . جـ - حديث : " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، قومٌ يحسنون القول ويسيئون العمل ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة ، لا يرجعون حتى يرتدّ على فوقه ، هم شرّ الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم أو قتلوه ، قالوا يا رسول الله : ما سيماهم ؟ قال : التحليق " . د - وقال عليه السلام في عمار : " تقتله الفئة الباغية " . فهذه الأحاديث صريحة في وجوب قتال أهل البغي ومن شايعهم على باطلهم من أهل الفجور والضلال . قال الجصّاص : " ولم يختلف أصحاب رسول الله في وجوب قتال ( الفئة الباغية ) بالسيف إذا لم يردعها غيره ، ألا ترى أنهم كلهم رأوا قتال الخوارج ولو لم يروا قتال الخوارج وقعدوا عنهم لقتلوهم وسبوا ذراريهم ونساءهم . فإن قيل قد جلس عن علي جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم : ( سعد ، وأسامة بن زيد ، وابن عمر ) ! ! قيل له : لم يقعدوا عنه لأنهم لم يروا قتال الفئة الباغية ، وجائزٌ أن يكون قعودهم عنه لأنهم رأوا الإمام مكتفياً بمن معه ، مستغنياً عنهم بأصحابه فاستجازوا القعود عنه لذلك ، ألا ترى أنهم قعدوا عن قتال الخوارج ، لا على أنهم لم يروا قتالهم واجباً ، لكنهم لما وجدوا من كفاهم قتل الخوارج استغنوا عن مباشرة قتالهم " . الحكم السادس : هل تكون أموال البغاة غنيمة للمسلمين ؟ اختلف العلماء في حكم أموال البغاة هل تكون غنيمة للمسلمين ؟ أم تردّ إليهم بعد الصلح وانتهاء الحرب ؟ أ - فقال محمد بن الحسن الشيباني : إنّ أموالهم لا تكون غنيمة ، وإنما يستعان على حربهم بسلاحهم وخيلهم عند الاستيلاء عليه ، فإذا وضعت الحرب أوزارها رُدّ عليهم السلاح والمال . ب - وقال أبو يوسف : إنّ ما وجد في أيدي أهل البغي من سلاح وعتاد فهو ( غنيمة ) يقسم ويخمّس . جـ - وقال مالك : لا تسبى ذراريهم ولا أموالهم ، وهو مذهب الشافعي . حجة أبي يوسف : أنهم باغون معتدون فيقسم مالهم غنيمة بين المسلمين . حجة الجمهور : أنّ بغيهم يُحلّ قتالهم ولا يُحلّ أموالهم وذراريهم لأنهم ليسوا كفاراً ، وإنما هم مؤمنون باغون ، أو فاسقون خارجون عن الطاعة ، والأمر بقتالهم من أجل ردّهم إلى صف المؤمنين . واستدلوا بما روي عن ابن عباس أن الخوارج لمّا نقموا على ( علي ) كرَّم الله وجهه ، قال : أفتسبون أمكم عائشة ، ثم تستحلّون منها ما تستحلّون من غيرها ؟ فلئن فعلتم لقد كفرتم . واستدلوا بحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا عبد الله أتدري كيف حُكْم الله فيمن بغى من هذه الأمة ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، فقال : لا يُجهز على جريحها ، ولا يُقتل أسيرها ، ولا يطلب هاربها ، ولا يُقسم فيئها " . قال القرطبي : " والمعوّل في ذلك عندنا أن الصحابة رضي الله عنهم في حروبهم لم يتبعوا مدبراً ، ولا ذفَّفوا على جريح ، ولا قتلوا أسيراً ، ولا ضمّنوا نفساً ولا مالاً ، وهم القدوة " . الترجيح : والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لأنهم ليسوا كفاراً ، ولأننا لو أخذنا أموالهم وسبينا ذراريهم تألبوا علينا ولم يمكن ردّهم إلى صف المسلمين والله أعلم . فائدة هامة : حول ما وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين . قال العلامة القرطبي رحمه الله : " لا يجوز أن يُنسب إلى أحدٍ من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه ، وأرادوا الله عز وجلّ ، وهم كلّهم بنا أئمة ، وقد تعبّدنا بالكف عمّا شجر بينهم ، وألاّ نذكرهم إلاّ بأحسن الذكر ، لحرمة الصحبة ، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبّهم ، وأنّ الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم " . هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض ، فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصياناً لم يكن بالقتل فيه شهيداً ، لأن الشهادة لا تكون إلا بالقتل في الطاعة . وممّا يدل على ذلك ما قد صحّ بأن قاتل الزبير في النار ، وقوله عليه السلام : " بشّر قاتل ابن صفية بالنار " ، وإذا كان كذلك فقد ثبت أن ( طلحة ) و ( الزبير ) غير عاصيين ، ولا آثمين بالقتال ، وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ البقرة : 134 ] . ما ترشد إليه الآيات الكريمة أولاً : وجوب التثبت من الأخبار وعدم الوثوق بخبر الفاسق الخارج عن طاعة الله . ثانياً : ضرورة التريث قبل الحكم على الأشخاص لمجرد سماع الأنباء خشية الظلم والعدوان عليهم . ثالثاً : الرسول صلى الله عليه وسلم هو المرجع للمؤمنين ، فلا يجوز لأحدٍ من أهل الإيمان أن يقطع بأمرٍ دونه . رابعاً : وجوب الإصلاح بين طوائف المؤمنين عند حصول النزاع خشية تصدُّعِ الصف ، وتفرُّقِ الكلمة . خامساً : إذا بغت إحدى الطائفتين على الأخرى ولم يمكن الاصلاح وجبَ قبر الفتنة بحدّ السيف . سادساً : المؤمنون إخوة جمعتهم رابطة ( العقيدة والإيمان ) وهذه الرابطة أقوى من رابطة النسب والدم . سابعاً : يجب على المؤمنين مقاومة أهل البغي إبقاءً لوحدة الأمة الإسلامية ودفعاً للظلم عن المستضعفين . خاتمة البحث : حكمة التشريع يدعو الإسلام إلى التثبت في الخبر ، وأخذ الحيطة والحذر ، في كل أمرٍ من أمور المؤمنين ، ليجتنبوا المزالق التي يدبّرها لهم أعداؤهم ، ويكونوا على بيّنةٍ من أمرهم ، فكم من فتنة حصلت بسبب خبر كاذب ، نقله فاسق فاجر ؟ وكم من دماء أريقت بسبب فتنةٍ هوجاء ، أشعلَ نارَها أناسٌ ماكرون ؟ لا يريدون للأمة الخير ، ولا يضمرون للمسلمين إلاّ كل شرّ ، وبلاءٍ ، وفتنة ، ليفسدوا عليهم وحدتهم ، ويكدّروا عليهم صفاءهم وسرورهم . لذلك أمر الإسلام بمبدأ كريم فاضل ( مبدأ التمحيص ) والتثبت من كل خبر ، وخاصة خبر الفاسق ، الذي لا يقيم حرمةً للدين ، ولا يبالي بما يحدث من جراء كذبه وبهتانه ، من أضرار فادحة ، ونتائج وخيمة ، تشلّ حركة المجتمع ، وقد تفضي إلى فجيعة عظيمة تودي بحَياة أناسٍ بريئين ، كما كان سيحدث في قصة ( الوليد بن عقبة ) لولا أنّ الله عز وجل أطلع رسوله على جليّة الأمر ، بواسطة الوحي المنزل ، فكان في ذلك صيانة الدماء البريئة ، وحفظ وحدة المسلمين . كما أمر الإسلام بمقاومة الظلم والطغيان ، أيّاً كان مصدره ، فدعا إلى الإصلاح بين الطوائف المتنازعة ، والفئات المتخاصمة ، فإن لم ينفع الصلح ، ولم تثمر دعوته ، كان السيف هو الحكم الفاصل تقاتل به الفئة الباغية ، حتى ترجع إلى أمر الله ، وتفيء إلى رشدها . وهذه الخطة الحكيمة التي انتهجها الإسلام قاعدة تشريعية وقائية ، لصيانة المجتمع المسلم من الخصام ، والتفكك ، والاندفاع وراء الأهواء الطائشة ، التي لا تجني منها الأمة إلاّ كل شر ، وبلاء .