Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 60, Ayat: 10-13)
Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
[ 1 ] التزاوج بين المسلمين والمشركين { مُهَٰجِرَٰتٍ } : أي من دار الكفر ، والهجرةُ في اللغة : الخروج من أرضٍ إلى أرض ، وفي الشرع : الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وفي الحديث : " لا هجرةَ بعد الفتحِ ولكنْ جهادٌ ونيةٌ " المراد بعد فتح مكة ، حيث أصبحت دار إسلام كالمدينة وانقطعت الهجرة . قال الأزهري : وأصل الهجرة عند العرب خروج البدويّ من باديته إلى المدن ، وسُمّي المهاجرون ومهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم ابتغاء مرضاة الله ، ولحقوا بدارٍ ليس لهم بها أهل ولا مال . { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } : الامتحان في اللغة الاختبار ، والمراد اختبارهنّ على الإيمان ، بما يغلب على الظنّ ، أما حقيقة الإيمان فلا يمكن أن تعلم ، لأنه لا يطّلع على القلوب إلاّ علاّم الغيوب ، فلنا الظاهر والله سبحانه يتولى السرائر ، ويدل عليه قوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّ } . { وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } : يعني أعطوا أزواجهنَّ الكفار مثل ما دفعوا إليهنّ من المهور . قال مقاتل : هذا إذا تزوجها مسلم ، فإن لم يتزوجها أحد ، فليس لزوجها الكافر شيء . وقال قتادة : الحكم في ردّ الصداق إنما هو في نساء أهل العهد ، فأمّا من لا عهد بينه وبين المسلمين فلا يردّ إليه الصداق ، قال القرطبي : والأمر كما قاله . { أُجُورَهُنَّ } : يعني مهورهن ، وسمي المهر أجراً لأنه في الظاهر أجر البضع ، وأمّا في الحقيقة فهو بذل وعطيّة لإظهار خطر المحل وشرفه ، كما تقدّم . { بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } : جمع عِصْمة ، وهي ما يعتصم به من عهد وسبب ، وأصل العصمة : الحبل ، وكلّ ما أمسك شيئاً فقد عصمه ، والمراد بالعِصْمة هنا النكاح ، والكوافر : جمع كافرة . والمعنى : لا تعتدّوا بنكاح زوجاتكم الكافرات فقد انقطعت العلاقة بينكم وبينهنّ . قال ابن عباس : " من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدّن بها ، فليست له امرأة ، فقد انقطعت عصمتها لاختلاف الدارين . قال الزجاج : إنها إذا كفرت فقد زالت العصمة بينها وبين المؤمن أي قد انبتَّ عقد النكاح . { وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ } : أي إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدّة ، فاسألوهم ما أنفقتم من المهر على نسائكم اللاحقات بهم . { وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ } : يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجن منكم ، فليسأل أزواجهن المهر . والمعنى : عليكم أن تغرموا لهم الصّداق كما يغرمون لكم . { فَاتَكُمْ } : سبقكم وانفلت من أيديكم . { فَعَاقَبْتُمْ } : قال الزجاج : أي أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم منهم . { بِبُهْتَٰنٍ } : البهتانُ : الكذب والباطل ، والافتراء الذي يُتحيّر من بطلانه ، ومنه حديث ( فقد بهتّه ) أي افتريت عليه ما لم يقله . والمراد به في الآية : اللقيط . قال ابن عباس : لا يُلحِقْن بأزواجهنّ غيرَ أولادهم . وقال الفراء : كانت المرأة في الجاهلية تلتقط المولود فتقول : هذا ولدي منك ، فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن . وهو قول الجمهور . { مَعْرُوفٍ } : المعروف : ما يستحسنه الشرع ، وترتضيه العقول السليمة وهو ضد المنكر . { لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً } : أي لا تتخذوهم أصدقاء ، وأولياء ، تودّوهم من دون المؤمنين ، والمراد بالقوم اليهود ، أو جميع الكفرة . { يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ } : أي يئسوا من ثواب الآخرة ، واليأس : انقطاع الأمل من الشيء ، وهو ضد الرجاء . المعنى الإجمالي يقول الله تعالى ما معناه : يا أيها المؤمنون إذا جاءكم المؤمنات المهاجرات من دار الكفر إلى دار الإيمان ، فراراً بدينهنّ ، وحباً في الله ورسوله ، فاختبروهنّ على هذا الإيمان ، لتعلموا هل هنّ راغبات في الإسلام حقاً ؟ أم أنهنّ هاربات من أزواجهن طمعاً في دنيا ، أو حباً لرجل ، فإذا علمتم - أيها المؤمنون - بالدلائل والأمارات أنهنّ مؤمنات ، فلا يحل لكم ردّهن إلى الكفار ، لأن الله تعالى لا يبيح مؤمنة لمشرك ، وعليكم أن تدفعوا لأزواجهنّ الكفرة ما أنفقوا عليهن من مهر ، ولا حرج عليكم أن تتزوجوا بهنّ بصداقٍ جديد ، بعد أن تؤدوا لهنّ حقوقهنّ كاملة . من كانت له امرأة كافرة لم تهاجر مع زوجها ، فلا يعتدّ بهذه الزوجة ، فقد زالت عصمة النكاح بينهما بسبب الكفر ، وانبتّ عقد النكاح ، لأن الإسلام لا يبيح الزواج بالمشركة ، ومن ارتدت بعد إسلامها ولحقت بدار الكفر ، فعاملوها معاملة المشركة ، فقد زال النكاح وانفصمت الروابط الزوجية بالردّة ، وأصبحت غير صالحة لأن تبقى في عصمة المؤمن ، ولكم أن تطالبوهم بما دفعتم من مهور نساءكم اللاحقات بالكفار ، كما يطالبونكم بمهور أزواجهم المهاجرات إليكم . ذلكم هو حكم الله الذي شرعه لكم ، فلا تحيدوا عنه ولا تعتدّوا بغيره ، لأن الله عليم حكيم ، لا يشرع إلاّ ما تقتضيه الحكمة البالغة . وإن انفلت منكم - أيها المؤمنون - بعض النساء ، ولم يدفع لكم المشركون ما تستحقونه من مهورهن ، وأصبتموهم في القتال ، وغنمتم منهم ، فأعطوا الأزواج من رأس الغنيمة ما أنفقوا من المهر قصاصاً ، واتقوا الله الذي صدّقتم به ، وآمنتم بتشريعه الحكيم العادل . وأمّا أنت - يا محمد - فإذا جاءك المؤمنات للبَيْعة ، فبايعهنّ على السمع والطاعة ، واشرط عليهن ألاّ يشركن بالله شيئاً ، ولا يسرقن ، ولا يزنين ، ولا يئدن أولادهم أولادهن كما كان يفعل أهل الجاهلية ولا يلحقن بأزواجهنّ لقيطاً من غير أولادهم ، ولا يعصينك في طاعة أو معروف ، فإذا وافقن على هذه الشروط فبايعهن على ذلك ، وعلى سائر أحكام الإسلام ، واطلب لهن من الله الرحمة والمغفرة ، إذا وفين بالبيعة ، فإنّ الله غفور رحيم ، مبالغ في المغفرة والرحمة لمن استقام وتاب وأناب . سبب النزول أولاً : روي عن ابن عباس أنه قال : إنّ مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، على أنّ من أتاه من أهل مكة ردّه إليهم ، ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم ، وكتبوا بذلك الكتاب وختموه ، فجاءت ( سُبَيْعة بنت الحارث الأسلميّة ) بعد الفراغ من الكتاب ، والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية ، فأقبل زوجها - وكان كافراً - فقال يا محمد : أردُدْ عليّ امرأتي ، فإنك قد شرطت لنا أن تردّ علينا من أتاك منّا ، وهذه طينة الكتاب لم تجفّ بعد ، فنزلت هذه الآية الكريمة . أقول : ذكر في هذه الرواية أنها ( سبيعة ) والمشهور عند المفسّرين أنها ( أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ) كما نبّه عليه القرطبي وابن الجوزي وغيرهما . ثانياً : وروي أنّ ناساً من فقراء المسلمين ، كانوا يخبرون اليهود بأخبار المؤمنين ، ويواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم وطعامهم فنزلت الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ … } الآية . وجوه القراءات أولاً : قوله تعالى : { إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٍ } قرأ الجمهور ( مهاجرات ) بالنصب على الحال ، وقرئ ( مهاجراتٌ ) بالرفع على البدل من المؤمنات ، فكأنه قيل : إذا جاءكم مهاجراتٌ . ثانياً : قوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } قرأ الجمهور ( تُمْسكُوا ) بضم التاء والتخفيف من الإمساك ، وقرأ أبو عمرو ويعقوب ( تُمَسّكوا ) بضم التاء والتشديد من التمسيك ، وقرأ عكرمة والحسن ( تَمَسّكوا ) بفتح التاء والميم والسين المشدّدة . ثالثاً : قوله تعالى : { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ } قرأ الجمهور ( فعاقبتم ) وقرأ ابن مسعود والنخعي ( فعقبتم ) بغير ألف وبالتخفيف وقرأ ابن عباس والأعمش ( فعقّبتُم ) بتشديد القاف . قال الزجّاج : والمعنى في التشديد والتخفيف واحد ، أي كانت العقبى لكم بأن غلبتم ، وقرأ مجاهد ( فأعقبتم ) . وجوه الإعراب 1 - قوله تعالى : { إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٍ } . مهاجراتٍ : حال منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم . 2 - قوله تعالى : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّ } لفظ الجلالة مبتدأ ، وأفعل التفضيل ( أعلم ) خبره ، والجملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب . 3 - قوله تعالى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ } أنْ : في موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر أي منصوب بنزع الخافض ، والتقدير : ولا جناح عليكم في أن تنكحوهنّ . 4 - قوله تعالى : { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ } : يفترينه ؛ جملة فعلية وفي موضعها وجهان من الإعراب : النصب على الحال من المضمر في ( يأتين ) والجر على الوصف لـ ( بهتان ) . 5 - قوله تعالى : { كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ } من أصحاب القبور في موضع نصب لأنه يتعلق بـ ( يئس ) وتقديره : يئسوا من بعث أصحاب القبور ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : ما الفائدة في امتحان المهاجرات مع أنهن مؤمنات ؟ الجواب : أن الامتحان إنما هو لمعرفة سبب الهجرة ، هل كان حبّاً في الله ورسوله ، أم كان من أجل الدنيا ؟ قال ابن زيد : وإنما أمرنا بامتحانهن ، لأنّ المرأة كانت إذا غضبت على زوجها بمكة قالت : لألحقنّ بمحمد . وقد روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحلف المرأة فيقول : " بالله الذي لا إلٰه إلا هو ، ما خرجتِ من بغض زوج ! باللَّهِ ما خرجتِ رغبةً عن أرضٍ إلى أرض ! بالله ما خرجت التماس دنيا ! بالله ما خرجت إلاّ حباً لله ورسوله ! فإذا حلفت على ذلك أعطى زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يرُدّها " . اللطيفة الثانية : السرّ في ذكر هذه الجملة الاعتراضية ( الله أعلم بإيمانهن ) هو بيان أنه يكفي لنا العلم الظاهر ، أمّا العلم الحقيقي الذي تطمئن به النفس وهو الإحاطة بجليّة الأمر ، ومعرفة حقيقة الإيمان فإنّ ذلك مما استأثر به علاّم الغيوب ، فنحن لنا الظاهر ، والله يتولّى السرائر فسبحانه من إلٰه عليم ، يعلم السرّ وأخفى ! ! اللطيفة الثالثة : الحكمة في عدم ردّ المهاجرات هي أن النساء أرقّ قلوباً ، وأسرع تقلباً ، وأشدّ فتنةً من الرجال ، لأنه لا صبر لهنّ على تحمّل البلاء والأذى في سبيل الله ، فرحم الله ضعفهنَّ ، ومنع من ردّهن إلى الكفرة المشركين . اللطيفة الرابعة : أمر الله تعالى بردّ المهر على الزوج الكافر إذا أسلمت زوجته ، وذلك من الوفاء بالعهد الذي رعاه الإسلام . قال القرطبي : وذلك لئلا يقع على الزوج خسران من الوجهين : ( الزوجة ، والمال ) ، لأنه لمّا مُنع من أهله بحرمة الإسلام ، أمر بردّ المال إليه وذلك من الوفاء بالعهد . اللطيفة الخامسة : قوله تعالى : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } فيه إشارة إلى أنه لا صلة بين الإيمان والكفر ، فإذا أسلمت الزوجة وزوجها كافر حرمت عليه لعدم التجانس بينهما ، فهي مؤمنة وهو كافر ، وقد قطعت العلاقة بينهما ، وهذا يدل على أن رابطة ( العقيدة ) أقوى من رابطة ( النسب ) فتدبره . اللطيفة السادسة : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أخذ البيعة على النساء كانت ( هند بنت عتبة ) في النساء المبايعات وهي زوجة ( أبي سفيان ) وكانت مُنْتقبة خوفاً من أن يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم لما صنعته بحمزة يوم أُحد … فلما قرأ قوله تعالى : { وَلاَ يَسْرِقْنَ } قالت هند : إنّ أبا سفيان رجل شحيح ، وإني أصيب من ماله قوتنا ، فقال أبو سفيان : هو لك حلال ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها ، وقال أنتِ هند ؟ فقالت : عفا الله عمَّا سلف ، أعف يا نبي الله عفا الله عنك ! ! فلما قرأ : { وَلاَ يَزْنِينَ } قالت هند : أوَتزني الحُرّة ؟ فلما قرأ : { وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ } قالت هند : ربّيناهم صغاراً ، وقتلتموهم كباراً ، فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى … وكان حنظلة ولدها قُتل يوم بدر . فلما قرأ : { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } قالت : والله إنّ البهتان لأمر قبيح ، ولا تأمرنا إلاّ بالرَّشَدِ ومكارم الأخلاق . فلما قرأ : { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } قالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء ؟ ! اللطيفة السابعة : قال الفراء : كانت المرأة في الجاهلية تلتقط المولود فتقول لزوجها : هذا ولدي منك ، فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهنّ . وقال الزمخشري : " كَنَى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها ، عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذباً ، لأنّ ( بطنها ) الذي تحمله فيه بين اليدين ، و ( فرجها ) الذي تلده به بين الرِّجْلينِ ، وقيل : كَنَى بذلك عن الولد الدعيّ ( غير الشرعي ) فَنُهينَ عن ذلك لأنه من شعار الجاهلية ، المنافي لشعار المسلمات " . الأحكام الشرعية الحكم الأول : هل كان عقد الصلح يشمل الرجال والنساء ؟ كان صلح الحديبية الذي تمّ بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش ، قد نصّ على أنّ من أتى محمداً من قريش ردّه عليهم ، ومن جاء قريشاً من عند محمد لم يردّوه عليه ، وقد جاءت ( أم كلثوم بنت عقبة ) بعد أن كُتب عقد الصلح مهاجرةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء أهلها يطلبونها فقالت يا رسول الله : أنا امرأة ، وحالُ النساء إلى الضعف ما قد علمت ، فتردّني إلى الكفّار يفتنوني عن ديني ، ولا صبر لي ؟ ! فقال صلى الله عليه وسلم لأهلها : كان الشرط في الرجال لا في النساء ، فأنزل الله هذه الآية فامتحنها صلى الله عليه وسلم ولم يردّها إليهم . قال القرطبي : وقد اختلف العلماء هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظاً ، أو عموماً ؟ فقالت طائفة : قد كان شرط ردّهن في عقد المهادنة لفظاً صريحاً ، فنسخ الله ردّهن من العقد ، ومنع منه ، وبقّاه في الرجال على ما كان . وقالت طائفة : لم يشترط ردّهن في العقد لفظاً ، وإنما أُطلق العقد في ردّ من أسلم ، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن مع الرجال ، فبيّن الله تعالى خروجهن عن عمومه ، وفرّق بينهنّ وبين الرجال لأمرين : أحدهما : أنهن ذوات فروج يُحَرّمن عليهم . الثاني : أنهنّ أرقّ قلوباً ، وأسرع تقلباً منهم ، فأما المقيمة على شركها فمردودة عليهم . ثم قال : وأكثر العلماء على أنْ هذا ناسخ لما كان عليه الصلاة والسلام عاهد عليه قريشاً ، من أنه يردُ إليهم من جاء منهم مسلماً ، فنسخ من ذلك النساء ، وهذا مذهب من يرى نسخ السنّة بالقرآن . أقول : ذكر الإمام الفخر نقلاً عن ( الضحّاك ) أن العهد كان على غير الصيغة المتقدمة ، وأنه كان يشتمل على نص خاص بالنساء صورته كالتالي : ( لا تأتيك منا امرأة ليست على دينك إلاّ رددتها إلينا ، فإن دخلت في دينك ولها زوج رددتَ على زوجها ما أنفق عليها ، وللنبي صلى الله عليه وسلم من الشرط مثل ذلك ) . وعلى هذا الرأي تكون الآية موافقة للعهد ، مقرّرة له ، وهذا الذي تطمئن إليه النفس وترتاح ، وما عداه من الأقوال فيحتاج إلى تمحيص وتدقيق ، لأنها تنافي روح التشريع الإسلامي ، من جهة أن الوفاء بالعهد واجب على المسلمين ، ولا ينبغي لأحد الطرفين أن يستبدّ بتخصيص نصوصه أو إلغائها دون موافقة الطرف الثاني ، فما ذهب إليه الضحّاك هو الأولى . يقول سيد قطب رحمه الله : " ويظهر أن النص لم يكن قاطعاً في موضوع النساء ، فنزلت هاتان الآيتان تمنعان ردّ المهاجرات المؤمنات إلى الكفار ، خشية أن يُفتنّ في دينهن وهنّ ضعاف ، ونزلت أحكام هذه الحالة الدولية معها ، تنظّم التعامل فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته ، دون تأثر بسلوك الفريق الآخر ، وما فيها من شطط وجور ، على طريقة الإسلام في كل معاملاته الداخلية والدولية " . الحكم الثاني : ما هو حكم المشركة إذا خرجت إلينا مسلمة ؟ دلّ قوله تعالى : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } على أن المرأة إذا أسلمت وقعت الفرقة بينها وبين زوجها ، فلا تحلّ له ، ولا يحلّ لها . وقد اختلف الفقهاء هل تحصل الفرقة بالإسلام ، أم باختلاف الدارين ؟ على مذهبين : أ - مذهب أبي حنيفة : أن الفرقة تقع باختلاف الدارين . ب - مذهب الجمهور ( الشافعية والمالكية والحنابلة ) : أنّ الفرقة تقع بالإسلام وذلك عند انتهاء عدتها ، فإن أسلم الزوج قبل انتهاء عدتها فهي امرأته . دليل الحنفية : أ - قوله تعالى : { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } فلو كانت الزوجية باقية لكان الزوج أولى بها بأن تكون معه حيث أراد . ب - قوله تعالى : { وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } قالوا : ولو كانت الزوجية باقية لما استحقَّ الزوج ردّ المهر ، لأنه لا يجوز أن يستحق البُضع وبدله . جـ - قوله تعالى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ } ولو كان النكاح الأول باقياً لما جاز لأحدٍ أن يتزوج بها . د - قوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } لأن معناه عندهم : لا تتمسكوا بعصمة الكافرة ، ولا تعتدوا بها ، ولا تمنعكم من التزوج بها . هـ - وقالوا أيضاً : لقد اتفق الفقهاء على جواز وطء ( المسبيّة ) بعد الاستبراء ، وإن كان لها زوج في دار الحرب ، ولا سبب يبيح هذا إلاّ اختلافُ الدار ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في السبايا : " لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تُستبرأ بحيضة " . أدلة الجمهور : أ - قالوا : إنّ سبب الفرقة هو الإسلام ، لأنها لم تعد صالحة لأن تكون فراشاً لكافر ، ولو كان اختلاف الدار هو سبب الفرقة ، لوجب أن تحصل الفرقة بمجيء المشركة إلينا ودخولها بعهد أمان ولو لم تسلم ، ولم يقل به أحد . ب - ما روي عن مجاهد أنه قال : " إذا أسلم الكافر وهي في العدّة فهي امرأته ، وإن لم يسلم فُرّق بينهما " . جـ - ما روي عن ابن عباس أنه قال : ( ردّ النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على ( أبي العاص بن الربيع ) بالنكاح الأول ، وقد كانت زينب هاجرت إلى المدينة وبقي زوجها بمكة مشركاً ، ثمّ ردّها عليه بعد إسلامه ) . قال القرطبي : " قوله تعالى : { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } أي لم يُحلّ الله مؤمنة لكافر ، ولا نكاح مؤمن لمشركة . وهذا أدلّ دليل على أنّ الذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها إسلامُها لا هجرُتها ، فبيّن أن العلة عدم الحلّ بالإسلام ، وليس باختلاف الدار " . والخلاصة : فإن الحنفيَّة يقولون : إن أحد الزوجين إذا خرج من دار الحرب مسلماً وبقي الآخر حربياً فقد وقعت الفرقة بينهما ، ولا يرون العدّة على المهاجرة ، ويبيحون نكاحها من غير عدّة إلاّ أن تكون حاملاً ، عملاً بالآية الكريمة { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ } حيث لم تلزمها العدة ، وقد بانت من زوجها بمجرد الهجرة . والجمهور يقولون : لا تقع الفرقة إلاّ بإسلامها ، وأمّا بمجرد الخروج فلا ، فإن أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها تنجّزت الفرقة وبانت منه لأنه لا عدة عليها ، وإن أسلمت بعد الدخول بها توقفت إلى انقضاء العدّة ، فإن أسلم قبل انقضاء العدة فهي زوجته ، وإلاّ بانت منه . وحجتهم في ذلك : الأدلة التي سبقت وما روي أنّ ( أبا سفيان ) أسلم قبل زوجته ( هند بنت عتبة ) ثمّ أسلمت بعده بأيام فاستقرّا على نكاحهما لأن عدَّتها لم تكن قد انقضت . وقد بسطنا لك أدلة القريقين بإيجاز ، وتتمة البحث بالتفصيل يُرجع إليها في كتب الفقه والله الموفق والهادي . الحكم الثالث : هل يجوز الزواج بالمشركة الوثنيَّة ؟ دلّ قوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } على حرمة النكاح بالكافرة المشركة ، لأن معنى الآية : ولا تمسكوا بعصم نسائكم المشركات أي لا تعتدوا بنكاحهنّ فإنه باطل . كما دلّ قوله تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } [ البقرة : 221 ] على حرمة نكاح المشركة ، وقد اتفق العلماء على أن هذه الآيات خاصة بالمشركات من غير أهل الكتاب ، لأن الكتابيات يجوز الزواج بهن لقوله تعالى : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ … } [ المائدة : 5 ] الآية . قال ابن المنذر : ولا يصح عن أحدٍ من الأوائل أنه حرم نكاح الكتابيات . أقول : أجمع الفقهاء على حرمة الزواج بالمشركة - وهي التي لا تدين بدينٍ سماوي - وعلى جواز النكاح بالنصرانية أو اليهودية من أهل الكتاب للنصّ السابق ، اللهم إلاّ ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا سئل عن زواج الرجل بالنصرانية أو اليهودية قال : " حرّم الله المشركات على المؤمنين ، وأعرف شيئاً من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة : ربّها عيسى ، أو عبدٌ من عباد الله " . وهذا القول : من عبد الله بن عمر محمول على ( الكراهة ) لا على ( التحريم ) ، لأن النصّ صريح بالحلّ ، ولعلَّه خشي الفتنة على الرجل في دينه ، أو خشي على الأولاد من التنصُّر فكرهه لذلك والله أعلم . الحكم الرابع : كيف كانت بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء ؟ بايع النبي صلى الله عليه وسلم النّساء بعد أن فتح مكة ، وكانت بيعته لهن بالشرائط المذكورة في هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَٰتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً . … } . وقد صحّ في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح في البيعة امرأة ، وإنما بايعهنّ بالكلام ، ودلّ ذلك على حرمة مصافحة النساء . وقد كانت بيعة الرجال أن يضع الرجل يده في يد الرسول صلى الله عليه وسلم ويبايعه على الإسلام والجهاد ، والسمع والطاعة ، وأما النساء فلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صافح امرأة ، ولا وضع يده في يدها ، إنما كانت البيعة بالكلام فقط ، ويدل عليه ما يلي : النصوص الشرعية الدَّالة على حرمة المصافحة أولاً : روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كان صلى الله عليه وسلم يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية ، بقول الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَٰتُ … } إلى قوله : { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قالت عائشة : فمن أقرّ بهذا الشرط من المؤمنات ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد بايعتُكِ كلاماً ، والله ما مَسّت يده يد امرأة قطّ في المبايعة ، ما يبايعهنّ إلا بقوله : " قد بايعتك على ذلك " . ثانياً : وروى الإمام أحمد عن ( أميمة بنت رقيقة ) قالت : " أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه ، فأخذ علينا ما في القرآن : أن لا نشرك بالله شيئاً … الآية وقال : " فيما استطعتُنّ وأطقتُنّ " قلنا : اللَّهُ ورسولُه أرحم بنا من أنفسنا . قلنا يا رسول الله : ألا تصافحنا ؟ قال : " إني لا أصافح النساء ، إنما قولي لامرأة واحدة قولي لمائة امرأة " . ثالثاً : وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها بعد أن ذكرت البيعة قالت : " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن ، قال لهنّ : " انطلقن فقد بايعتُكنّ " ولا والله ما مَسّت يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، غير أنه بايعهن بالكلام ، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن : " قد بايعتكُنّ كلاماً " . قال الحافظ ابن حجر : قوله : " قد بايعتكِ كلاماً " أي يقول ذلك كلاماً فقط ، لا مصافحة باليد ، كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة . أقول : الروايات كلها تشير إلى أن البيعة كانت بالكلام ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صافح النساء في بيعة أو غيرها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يمتنع عن مصافحة النساء مع أنَّه المعصوم فإنما هو تعليم للأمة وإرشاد لها لسلوك طريق الاستقامة ، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الطاهر ، الفاضل ، الشريف ، الذي لا يشك إنسان في نزاهته وطهارته ، وسلامة قلبه ، لا يصافح النساء ، ويكتفي بالكلام في مبايعتهنّ ، مع أن أمر البَيْعة أمر عظيم الشأن ، فكيف يباح لغيره من الرجال مصافحة النساء ، مع أن الشهوة فيهم غالبة ؟ والفتنة غير مأمونة ، والشيطان يجري فيهم مجرى الدم ؟ ! وكيف يزعم بعض النَّاس أن مصافحة النساء غير محرَّمة في الشريعة الإسلامية ؟ ! { سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [ النور : 16 ] ! الحكم الخامس : ما المراد من قوله تعالى : { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } ؟ اختلف العلماء في المراد من الآية الكريمة على ثلاثة أقوال : أحدها : أن المراد به النوح على الميّت ، قاله ابن عباس ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً . والثاني : أن المراد : أن لا يدعون ويلاً ، ولا يخدشن وجهاً ، ولا يقطعن شعراً ، ولا يشققن ثوباً ، قاله زيد بن أسلم . والثالث : جميع ما يأمرهن به رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرائع الإسلام وآدابه وهذا هو الأرجح . قال العلامة القرطبي : " والصحيح أنه عام في جميع ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وينهى عنه ، فيدخل فيه النّوح ، وتخريق الثياب ، وجزّ الشعر ، والخلوة بغير محرم ، إلى غير ذلك ، وهذه كلها كبائر ، ومن أفعال الجاهلية ، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية … وذكر منها النياحة " . ما ترشد إليه الآيات الكريمة أولاً : امتحان المهاجرات المؤمنات للتعرف على سبب الهجرة . ثانياً : نحن نحكم بالظاهر ، والله جلّ وعلا يتولى السرائر . ثالثاً : حرمة نكاح المشركات اللواتي لا يؤمنّ بالله تعالى . رابعاً : إسلام المرأة يقطع الصلة بينها وبين زوجها المشرك وتحرم عليه . خامساً : البيعة للنساء تكون بالشرائط التي ذكرها القرآن الكريم . سادساً : الطاعة لأولي الأمر تكون في حدود ما شرع الله تبارك وتعالى . سابعاً : جواز نكاح الكتابيات اللاتي يؤمنّ بكتاب منزل من عند الله . خاتمة البحث : حكمة التشريع حرّمت الشريعة الإسلامية الغراء نكاح المشركات ، وحظرت على المسلم أن يُبقي في عصمته امرأة لا تؤمن بالله ، ولا تعتقد بكتاب أو رسول ، وتنكر البعث والنشور ، وذلك لما يترتب على هذا الزواج من مخاطر دينية ، واجتماعية ، وأضرار عظيمة ، تلحق بالزوج والأولاد ، وبالتالي تهدّد حياة الأسرة التي هي النواة لبناء المجتمع الأكبر . وقد قضت السنة الإلٰهية أن تمتزج الأرواح بالأرواح ، وتتلاءم الأنفس مع الأنفس عند الزواج ، لينعم الزوجان في حياة آمنةٍ سعيدة ، يرفرف عليها الحب ، وتظلِّلها السعادة ، ويخيِّم عليها التعاون والتفاهم والوئام . ولمّا كان هذا الانسجام والتفاهم ، لا يكاد يوجد بين قلبين متنافرين ونفسين مختلفين ، نفسٍ مؤمنةٍ خيّرة ، ونفسٍ مشركةٍ فاجرة ، وكان هذا يؤدي بدوره إلى التنافر ، والخصام ، والنزاع ، لذلك حرّم الإسلام الزواج بالوثنية المشركة ، وعدّه زواجاً باطلاً لا يستقيم مع شريعة الله . فالمشركة التي ليس لها دين يزجرها عن الشرّ ، ويأمرها بالخير ، ويحرّم عليها الخيانة ، ويوجب عليها الأمانة ، هذه الزوجة لا يمكن أن يسعد المرء في حياته معها ، ولا تصلح أن تكون ( رفيقة الحياة ) لرجلٍ يؤمن بالله واليوم الآخر مع الفارق الكبير بين نفسيهما . والزوجية حالة امتزاج واندماج واستقرار ، ولا يمكن أن تقوم الحياة بدون هذا الامتزاج ، والإيمان هو قوام الحياة السعيدة الذي لا تقوم مقامه عاطفة أخرى ، فإذا خوى منه قلب لم يستطع قلب مؤمن أن يتجاوب معه ، ولا أن يأنس به ، ولا أن يسكن إليه ويطمئن في جواره ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : " الأرواح جنود مجنّدة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " .