Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 1-10)

Tafsir: Rawāʾiʿ al-bayān tafsīr ʿāyāt al-aḥkām

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ 1 ] تلاوة القرآن التحليل اللفظي { ٱلْمُزَّمِّلُ } : قال اللغويّون : " المزّمل " الملتف في ثيابه ، وأصله ( المتزمّل ) فأدغمت التاء في الزّاي فثقّلت ، وكل من التفّ بثوبه فقد تزمّل قال أمرؤ القيس : @ كأنّ أبانا في أفَانينِ وَدْقِهِ كبيرُ أُناسٍ في بجَادٍ مزمّل @@ وقال ذو الرمّة : ومن نائمٍ عن ليلها متزمّل . { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ } : قال الزجّاج : رتّل القرآن ترتيلاً : بيّنه تبييناً ، والتبيين لا يتم إلاّ بإظهار جميع الحروف ، وتوفيتها حقها من الإشباع . وقال المبرّد : أصله من قولهم : ثغر رتل إذا كان بين الثنايا افتراق ليس بالكثير ، وقال الليث : الترتيل تنسيق الشيء ، وثغر رتل : حسن التنضيد . ومعنى الآية : اقرأ القرآن على تُؤدة ، وتمهّل ، وتبيين حروف ، مع تدبر المعاني . { نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ } : أوقات الليل وساعاته ، سميت بذلك لأنها تنشأ شيئاً بعد شيء ، يقال : نشأ السحاب إذا ابتدأ ، فناشئة ( فاعلة ) من نشأت تنشأ فهي ناشئة ، والمراد ساعات الليل الناشئة ، فاكتفى بالوصف عن الاسم . وقال الزمخشري : ناشئة الليل : النفس الناشئة بالليل ، التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة أي تنهض ، وأنشد ابن السكيت : @ فلمّا أن تَنَشّأ قام خِرْق من الفتيان مختَلَق هضوم @@ { أَشَدُّ وَطْأً } : أي أثقلُ على المصلي من ساعات النهار ، من قول العرب : اشتدت علينا وطأةُ السلطان ، إذا ثقل عليهم ما حمَّلهم من المؤن وفي الحديث : " اللهمّ اشدُدْ وطأتك على مُضَر " فالليل وقت النوم والراحة ، فمن شغله بالعبادة فقد تحمل المشقة العظيمة . والمعنى : إن قيام الليل للعبادة ، وقضاء ساعاته في الطاعة ، أشدّ ثقلاً على النفس ، وأرجى عند الله وأقوم . { وَأَقْوَمُ قِيلاً } : أي أشدّ استقامة واستمراراً ، وأكثر استقامة على نهج الحق والصواب ، لأن الليل تهدأ فيه الأصوات ، وتنقطع فيه الحركات فتخلص فيه القراءة ، ويفرغ القلب لفهم التلاوة ، فلا يكون دون تسمعه وتفهمه حائل . { سَبْحَاً } : قال المبرّد : سبحاً أي تقلباً وتصرفاً في المهمّات كما يتردّد السابح في الماء قال الشاعر : @ أباحوا لكم شرقَ البلاد وغربَها ففيها لكم يا صَاحِ سبْحٌ من السّبْح @@ قال في " اللسان " : السّبْح : الفراغ وفي التنزيل { سَبْحَاً طَوِيلاً } إنما يعني به فراغاً طويلاً وتصرفاً ، وقيل : معناه : لك في النهار ما تقضي حوائجك . وقال الزجاج : إن فاتك من الليل شيء من النوم والراحة ، فلك في النهار فراغ فاصرفه إليه . وقال ابن عباس : لك في النهار فراغ لنومك وراحتك ، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك . { وَتَبَتَّلْ } : التبتّل الانقطاع إلى العبادة ، ومنه قيل لمريم عليها السلام ( البتول ) لأنها انقطعت إلى الله تعالى في العبادة ، وأصل البتل : القطع ، ويقال للراهب ( متبتّل ) لانقطاعه عن الناس ، وانفراده بالعبادة قال أمرؤ القيس : @ تضيءُ الظّلامَ بالعشَاء كأنها مَنَارة مُمْسى راهبٍ متبتّل @@ { هَجْراً جَمِيلاً } : أي لا تتعرض لهم ، وجانبهم ولا تقابلهم بمثل إساءتهم . المعنى الإجمالي يقول الله تعالى ما معناه مخاطباً نبيّه الكريم : يا أيها المتزمّل المتلفّف في ثيابه ، قم للأمر العظيم الذي ينتظرك ، قم للجهد والنصب ، والكدّ والتعب ، فقد مضى وقت الراحة ، قم فشمّر عن ساعد الجد ، وأحي الليل كلّه أو نصفه أو أقل قليلاً ، بالصلاة والتضرع ، والعبادة والتخشع ، لتستعد لنفحاتنا القدسيّة ، لأننا سنوحي إليك بهذا القرآن العظيم ، الثقيل في الوزن العظيم في الأجر ، الرصين في الجزالة والتعبير ، فاقرأه بتدبر وتبصر في قيامك بالليل ، ورتّله على مهل بخشوع وإنابة فإن قيام الليل بالصلاة ، وقضاء ساعاته في الطاعة ، أشدّ ثقلاً على النفس ، وأرجى للقبول عند الله . ولك يا محمد في النهار تقلباً طويلاً في مهامّك ، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك ، واذكر اسم ربك لتستمدّ قوّتك منه ، وانقطع لعبادته ولا تتوجّه لأحد سواه ، فهو الناصر والمعين ، وهو رب العزّة ، ذو الجلال والإكرام الذي لا يخيب من التجأ إليه ، فاجعله وكيلاً لك في جميع الأمور . واصبر يا محمد على تكذيب قومك لك ، وعن صدودهم وإعراضهم عن دعوتك ، ولا تتعرّض لهم ولا تقابلهم بمثل إساءتهم ، واهجرهم بالحسنى حتى يجعل الله لك من أمرك فرجاً ومخرجاً ، بالنصر عليهم ونصر الله قريب . وجوه القراءات 1 - قرأ الجمهور ( يا أيها المزَّمّل ) بتشديد الزاي والميم ، وقرأ أبَيّ بن كعب وأبو العالية ( المتزمّل ) بإظهار التاء على الأصل . 2 - قرأ الجمهور ( هي أشدّ وَطْأ ) وقرأ ابن عامر وأبو عمرو ( وِطاءً ) بكسر الواو مع المدّ وقرأ ابن محيصن ( أشدّ وَطَاءً ) بفتح الواو ، والطاء ، وبالمدّ . وجوه الإعراب 1 - قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } . ( المزمّلُ ) صفة لـ ( أيّ ) قال ابن مالك : وأيّها مصحوبَ ( أل ) بعدُ صفة . و ( نصفَه ) بدل من الليل ، بدل بعضٍ من كلّ . قال الزمخشري : ( نصفَه ) بدل من الليل ، و ( إلاّ قليلاً ) استثناء من النصف ، كأنه قال : قم أقل من نصف الليل ، والضمير في ( منه ) يعود للنصف . 2 - قوله تعالى : ( أشدّ وطأ ) لفظ ( أشدّ ) خبر المبتدأ ، و ( وطأ ) تمييز ، وجملة ( هي أشدُّ وطأً ) خبر ( إنَّ ) . 3 - قوله تعالى : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } تبتّلْ : أمر و ( تبتيلاً ) مفعول مطلق وهو غير جارٍ على فعله ، والأصل فيه أن يُقال ( تبتّلاً ) ولأن وزن ( تفعيل ) إنما تجيء في مصدر ( فعَّل ) كقولهم : رَتّل ترتيلاً ، وأما وزن ( تفعّل ) فيأتي المصدر ( تفعّلا ) إلا أنهم قد يُجرون المصدر على غير فعله كقول الشاعر : @ وخير الأمر ما استقبلتَ منه وليس بأن تتّبعَه اتّباعاً @@ فأجرى اتباعاً مصدراً على ( تتبّع ) والقياس ( تتبّعاً ) والشواهد على هذه كثيرة . لطائف التفسير اللطيفة الأولى : الحكمة في ندائه صلى الله عليه وسلم بوصف التزمل هو إرادة ( الملاطفة والإيناس ) على نحو ما كان عليه العرب في مخاطباتهم من اشتقاق اسم للمخاطب من صفته التي هو عليها كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي كرّم الله وجهه ، لمّا غاضب فاطمة وذهب إلى المسجد فنام فيه - وكان قد لصق بجنبه التراب - : قم أبا تراب ، قم أبا تراب ، للمؤانسة والملاطفة . اللطيفة الثانية : سبب التزمل ما روي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " جاورتُ بحراء فلمّا قضيتُ جواري هبطت فنوديت ، فنظرتُ عن يميني فلم أر شيئاً ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً ، ونظرتُ خلفي فلم أر شيئاً ، فرفعت رأسي فإذا الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجُثثْتُ ( فزعت ) منه رعباً فرجعت فقلت : زمّلوني زمّلوني ، فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } [ المدثر : 1 ] و { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } " . فسببُ التزمل هو ما عراه صلى الله عليه وسلم من الرعب والفزع من رؤية الملك على صورته الملكيّة . اللطيفة الثالثة : ذكر الله تعالى في كتابه العزيز ثلاثة أشياء وصفها بـ ( الجميل ) وأمر بها نبيّه عليه الصلاة والسلام وهي : قوله تعالى : { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } [ المعارج : 5 ] … { وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } … { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } [ الحجر : 85 ] . فالصبرُ الجميل الصبرُ الذي لا شكوى معه . والهجرُ الجميل الهجرُ الذي لا أذيّة معه . والصفح الجميل الصفحُ الذي لا عتاب معه . اللطيفة الرابعة : " في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تفطرت قدماه ، فقالت له السيّدة عائشة : أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ ! فقال لها عليه السلام : أفلا أكونُ عبداً شكوراً " ! ! فصلوات ربي وسلامه على نبيّه المصطفى وحبيبه المجتبى . الأحكام الشرعية الحكم الأول : هل قيام الليل كان فريضة على الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ظاهر قوله تعالى : { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } أن التهجد كان فريضة عليه صلى الله عليه وسلم وأنّ فرضيته كانت خاصة به ، وممّا يدل عليه قوله تعالى في سورة الإسراء [ 79 ] { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } فإنّ قوله : { نَافِلَةً لَّكَ } بعد الأمر بالتهجد ظاهر في أن الوجوب من خصائصه عليه الصلاة والسلام وليس معنى النافلة في هذه الآية ما يجوز فعله وتركه ، فإنه على هذا الوجه لا يكون خاصاً به عليه الصلاة والسلام ، بل معنى كون التهجد نافلة له أنه شيء زائد على ما هو مفروض على سائر الأمة . وقد كان المؤمنون يصلون مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ورمت أقدامهم وسوقهم من القيام ، فنسخ الله تعالى ذلك بقوله في آخر السورة : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ … } [ المزمل : 20 ] إلى قوله : { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ … } [ المزمل : 20 ] الآية . قال ابن عباس : وكان بين أول هذا الإيجاب وبين نسخه سنة . وقال جماعة من المفسّرين : ليس في القرآن سورة نسخَ آخرُها أوّلَها سوى هذه الآية . الحكم الثاني : هل تجوز قراءة القرآن بالتلحين ؟ أمر الله جلّ ثناؤه بترتيل القرآن { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } أي اقرأه على تؤده وتمهل وتبين حروف ، بحيث يتمكن السامع من استيعابه وتدبر معانيه . ولا خلاف بين العلماء أن قراءة القرآن بالترتيل بمعنى التجويد ، وهو تبيين الحروف ، وتحسين المخارج ، وإظهار المقاطع حسن مطلوب ، إنما الكلام في التغنّي به وتلحينه هل هو جائز أم ممنوع ؟ وقد اختلفت فيه آراء الأئمة الفقهاء ، تبعاً لاختلاف الصحابة والتابعين ، ونحن نذكر مذاهبهم مع أدلة كلّ فريق بشيء من التفصيل ، فنقول ومن الله نستمدّ العون : مذاهب الفقهاء في القراءة بالتلحين : أولاً : مذهب ( المالكية والحنابلة ) : كراهة القراءة بالتلحين ، وهو منقول عن ( أنس بن مالك ) و ( سعيد بن المسيّب ) و ( سعيد بن جبير ) و ( القاسم بن محمد ) و ( الحسن البصري ) و ( إبراهيم النخعي ) و ( ابن سيرين ) . ثانياً : مذهب ( الحنفيّة والشافعية ) : جواز القراءة بالتلحين ، وهو منقول عن : ( عمر بن الخطاب ) و ( ابن عباس ) و ( ابن مسعود ) و ( عبد الرحمٰن بن الأسود بن زيد ) وقد ذهب إليه من المفسرين ( أبو جعفر الطبري ) و ( أبو بكر بن العربي ) . أدلة المذهب الأول : أ - حديث : " أقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتهم ، وإيّاكم ولحونَ أهل الكتاب والفسق ، فإنه يجيءُ من بعدي أقوام يرجّعُون بالقرآن ترجّع الغناء والنوح ، لا يجاوز حناجرهُمْ ، مفتونةٌ قلوبُهم وقلوبُ الذين يعجبهم شأنُهم " . فقد نعى عليه السلام على من يرجّع بالقرآن ترجيع الغناء والنوح على نحو ما يفعله أكثر قرّاء هذا العصر . ب - حديث : " يتخذون القرآن مزامير ، يقدّمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم ليغنّيَهم غناءً " . جـ - حديث : " إنّ الأذانَ سهلٌ سمحٌ ، فإن كان أذانُك سهلاً سمحاً وإلاَّ فلا تؤذّن " قالوا : فقد كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرب المؤذن في أذانه ، فدلّ ذلك على أنه يكره التطريب في القراءة بطريق الأولى . د - وقالوا أيضاً : إن التغنّي والتطريب يؤدي إلى أن يزاد على القرآن ما ليس منه ، وذلك لأنه يقتضي مدّ ما ليس بممدود ، وهمز ما ليس بمهموز ، وجعل الحرف الواحد حروفاً كثيرة وهو لا يجوز ، هذا إلى أن التلحين من شأنه أن يلهي النفوس بنغمات الصوت ، ويصرفها عن الاعتبار والتدبر لمعاني القرآن الكريم . وقد سئل ( مالك ) عن الألحان في الصلاة فقال : لا تعجبني ، وقال : إنما هو غناء يتغنّون به ليأخذوا عليه الدراهم . وروي عن الإمام ( أحمد ) أنه كان يقول : قراءة الألحان ما تعجبني ، والقراءة بها بدعة لا تسمع . وسئل : ما تقول في القراءة بالألحان ؟ فقال للسائل : ما اسمك ؟ قال : محمد ، قال له : أيسرّك أن يقال لك : يا موحامد ممدوداً ؟ أدلة المذهب الثاني : واستدل المجيزون للقراءة بالتلحين وهم ( الحنفية والشافعية ) بأدلة نوجزها فيما يلي : أ - حديث : " زينوا القرآن بأصواتكم " . ب - حديث : " ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن " . جـ - حديث عبد الله بن مغفّل قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسير له سورة ( الفتح ) على راحلته فرجّع في قراءته " . د - حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمع ليلة قراءة أبي موسى الأشعري فلما لقيه قال له : ( لقد أعطيتَ مزماراً من مزامير آل داود ) فقال له أبو موسى : ( لو علمت أنك تسمع لحبّرته لك تحبيراً ) . هـ - حديث : " ما أذِنَ الله لشيء أذنَه لنبيّ حسن الصوت يتغنى بالقرآن " . و - وقالوا أيضاً : إنّ الترنّم بالقرآن والتطريب بقراءته من شأنه أن يبعث على الاستماع والإصغاء ، وهو أوقع في النفس ، وأنفذ في القلب وأبلغ في التأثير . وقد روى الطبري : عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول لأبي موسى الأشعري : ذكّرنا ربنا ، فيقرأ أبو موسى ويتلاحن فيقول عمر : من استطاع أن يتغنى بالقرآن غناء أبي موسى فليفعل . وكان ابن مسعود : تعجبه قراءة ( علقمة الأسود ) - وكان حسن الصوت - فكان يقرأ له علقمة ، فإذا فرغ قال له : زدني فداك أبي وأمي . هذه خلاصة موجزة لأدلة الفريقين ، وأنت إذا أمعنت النظر وجدت أن الخلاف بينهم يكاد يكون ( شكلياً ) لا ( جوهرياً ) فالفقهاء جميعاً متفقون على حرمة قراءة القرآن بالأنغام ، التي لا تراعى فيها أحكام التجويد ، كمدّ المقصور ، وقصر الممدود ، وترقيق المفخّم ، وتفخيم المرقق ، وإظهار ما ينبغي إدغامه ، وإخفاء ما ينبغي إظهاره … الخ ، والتي يكون الغرض منها ( التطريب ) وإظهار جمال الصوت فحسب دون تقيّد بالأحكام وآداب التلاوة ، كما يفعله بعض الجهلة من قراء هذا العصر ، فإن هذا لا يشك أحد في تحريمه . أما إذا كان المراد بـ ( التلحين ) هو تحسين الصوت بالقراءة وإخراج الحروف سليمة من مخارجها ، دون تقعر أو تمطيط ، مع تطبيق أحكام التجويد ومراعاة الوقوف والمدود فإن هذا لا يقول أحد بتحريمه ، لأن الصوت الحسن يزيد في جمال القرآن ، وله أثر في نفس الإنسان ، وقد استمع النبي عليه الصلاة والسلام إلى قراءة بعض أصحابه ، فأعجب بحسن صوته حتى قال لأبي موسى الأشعري : " لقد أعطيتَ مزماراً من مزامير آل داود " والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل . تمّ بعونه تعالى الجزء الثاني من كتاب " روائع البيان " وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .