Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 1-7)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وتسمى سورة الحمد لله ، وفاتحة الكتاب ، والواقية ، والشافية ، والسبع المثاني . وفيها عشرون فائدة ، سوى ما تقدّم في اللغات من تفسير ألفاظها ، واختُلف هل هي مكية أو مدنية ؟ ولا خلاف أن الفاتحة سبع آيات ، إلاّ أن الشافعي يعدّ البسملة آية منها ، والمالكيّ يسقطها ، ويعدّ أنعمت عليهم آية . الفائدة الأولى : قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة عند مالك والشافعي ، خلافاً لأبي حنيفة . وحجتهما ؛ قوله صلى الله عليه وسلم للذي علمه الصلاة : " اقرأ ما تيسر من القرآن " . الفائدة الثانية : اختلف هل أوّل الفاتحة على إضمار القول تعليماً للعباد : أي قولوا : الحمد لله ، أو هو ابتداء كلام الله ، ولا بدّ من إضمار القول في { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } وما بعده . الفائدة الثالثة : الحمد أَعَمُّ من الشكر ؛ لأنّ الشكر لا يكون إلاّ جزاء على نعمة ، والحمد يكون جزاء كالشكر ، ويكون ثناء ابتداء ، كما أنّ الشكر قد يكون أعم من الحمد ، لأن الحمد باللسان ؛ والشكر باللسان والقلب ، والجوارح . فإذا فهمتَ عموم الحمد : علمتَ أن قولك : الحمد لله يقتضي الثناء عليه ؛ لما هو من الجلال والعظمة والوحدانية والعزة والإفضال والعلم والمقدرة والحكمة وغير ذلك من الصفات ، ويتضمن معاني أسمائه الحسنى التسعة والتسعين ، ويقتضي شكره والثناء عليه بكل نعمة أعطى ورحمة أولى جميعَ خلقه في الآخرة والأولى ، فيا لها من كلمة جمعت ما تضيق عنه المجلدات ، واتفق دون عدّهَ عقول الخلائق ، ويكفيك أن الله جعلها أوّل كتابه ، وآخر دعوى أهل الجنة . الفائدة الرابعة : الشكر باللسان هو الثناء على المنعم والتحدث بالنعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التحدث بالنعم شكر " والشكر بالجوارح هو العمل بطاعة الله وترك معاصيه ، والشكر بالقلب هو معرفة مقدار النعمة . والعلم بأنها من الله وحده ، والعلم بأنها تفضل لا باستحقاق العبد . واعلم أن النعم التي يجب الشكر عليها لا تحصى ، ولكنها تنحصر في ثلاثة أقسام : نعم دنيوية : كالعافية والمال ، ونعم دينية : كالعلم ، والتقوى . ونعم أخروية : وهي جزاؤه بالثواب الكثير على العمل القليل في العمر القصير . والناس في الشكر على مقامين : منهم من يشكر على النعم الواصلة إليه خاصة ، ومنهم من يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلى جميعهم ، والشكر على ثلاثة درجات : فدرجات العوام الشكر على النعم ، ودرجة الخواص الشكر على النعم والنقم وعلى كل حال ، ودرجة خواص الخواص أن يغيب عن النعمة بمشاهدة المنعم ، قال رجل لإبراهيم بن أدهم : الفقراء إذا مُنعوا شكروا . وإذا أعطوا آثروا ومن فضيلة الشكر أنه من صفات الحق ، ومن صفات الخلق فإنّ من أسماء الله : الشاكر والشكور ، وقد فسرتهما في اللغة . الفائدة الخامسة : قولنا : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ } أفضل عند المحققين من لا إلٰه إلا الله لوجهين : أحدهما ما خرّجه النسائي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال لا إلٰه إلا الله كتب له عشرون حسنة ، ومن قال الحمد لله رب العالمين كتب له ثلاثون حسنة " والثاني : أن التوحيد الذي يقتضيه لا إلٰه إلا الله حاصل في قولك { رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ } وزادت بقولك الحمد لله ، وفيه من المعاني ما قدّمنا ، وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إلٰه إلا الله " ، فإنما ذلك للتوحيد الذي يقتضيه ، وقد شاركتها الحمد لله رب العالمين في ذلك وزادت عليها ، وهذا المؤمن يقولها لطلب الثواب ، أما لمن دخل في الإسلام فيتعين عليه لا إلٰه إلا الله . الفائدة السادسة : الرب وزنه فعل بكسر العين ثم أدغم ، ومعانيه أربعة : الإله ، والسيد ، والمالك ، والمصلح . وكلها في رب العالمين ، إلا أن الأرجح معنى الإله : لاختصاصه لله تعالى ، كما أن الأرجح في العالمين : أن يراد به كل موجود سوى الله تعالى ، فيعم جميع المخلوقات . الفائدة السابعة : ملك قراءة الجماعة بغير ألف من الملك ، وقرأ عاصم والكسائي بالألف والتقدير على هذا : مالك مجيء يوم الدين ، أو مالك الأمر يوم الدين ، وقراءة الجماعة أرجح من ثلاثة أوجه . الأوّل : أن الملك أعظم من المالك إذ قد يوصف كل أحد بالمالك لماله ، وأما الملك فهو سيد الناس ، والثاني : قوله : وله الملك يوم ينفخ في الصور . والثالث : أنها لا تقتضي حذفاً ، والأخرى تقتضيه ؛ لأن تقديرها مالك الأمر ، أو مالك مجيء يوم الدين ، والحذف على خلاف الأصل . وأما قراءة الجماعة فإضافة ملك إلى يوم الدين فهي على طريقة الاتساع ، وأُجري الظرف مجرى المفعول به ، والمعنى على الظرفية : أي الملك في يوم الدين ، ويجوز أن يكون المعنى ملك الأمور يوم الدين ، فيكون فيه حذف . وقد رويت القراءتان في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قرئ ملك بوجوه كثيرة إلاّ أنها شاذة . الفائدة الثامنة : الرحمن ، الرحيم ، مالك : صفات ، فإن قيل : كيف جرّ مالك ومالك صفة للمعرفة ، وإضافة اسم الفاعل غير محضة ؟ فالجواب : أنها تكون غير محضة إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، وأما هذا فهو مستمر دائماً فإضافته محضة . الفائدة التاسعة : هو يوم القيامة ويصلح هنا في معاني الحساب والجزاء والقهر ، ومنه { أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } [ الصافات : 53 ] . الفائدة العاشرة : إياك في الموضعين مفعول بالفعل الذي بعده ، وإنما قدّم ليفيد الحصر فإنّ تقديم المعمولات يقتضي الحصر ، فاقتضى قول العبد إياك نعبد أن يعبد الله وحده لا شريك له ، واقتضى قوله : { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } اعترافاً بالعجز والفقر وأنا لا نستعين إلاّ بالله وحده . الفائدة الحادية عشرة : إياك نستعين : أي نطلب العون منك على العبادة وعلى جميع أمورنا ، وفي هذا دليل على بطلان قول القدرية والجبرية ، وأنّ الحق بين ذلك . الفائدة الثانية عشرة : اهدنا : دعاء بالهدى . فإن قيل : كيف يطلب المؤمنون الهدى وهو حاصل لهم ؟ فالجواب : إن ذلك طلب للثبات عليه إلى الموت ، أو الزيادة منه فإنّ الارتقاء في المقامات لا نهاية له . الفائدة الثالثة عشرة : قدم الحمد والثناء على الدعاء لأنّ تلك السنة في الدعاء وشأن الطلب أن يأتي بعد المدح ، وذلك أقرب للإجابة . وكذلك قدّم الرحمن على ملك يوم الدين لأن رحمة الله سبقت غضبه ، وكذلك قدّم إياك نعبد على إياك نستعين لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة . الفائدة الرابعة عشرة : ذكر الله تعالى في أول هذه السورة على طريقة الغيبة ، ثم على الخطاب في إياك نعبد وما بعده ، وذلك يسمى الالتفات ، وفيه إشارة إلى أن العبد إذا ذكر الله تقرّب منه فصار من أهل الحضور فناداه . الفائدة الخامسة عشرة : الصراط في اللغة الطريق المحسوس الذي يمشى ، ثم استعير للطريق الذي يكون الإنسان عليها من الخير والشر ، ومعنى المستقيم القويم الذي لا عوج فيه ، فالصراط المستقيم الإسلام ، وقيل القرآن ، والمعنيان متقاربان ، لأنّ القرآن يضمّن شرائع الإسلام وكلاهما مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ الصراط بالصاد والسين وبين الصاد والزاي ، وقد قيل إنه قرئ بزاي خالصة ، والأصل فيه السين ، وإنما أبدلوا منها صاداً لموافقة الطاء في الاستعلاء والإطباق ، وأما الزاي فلموافقة الطاء في الجهر . الفائدة السادسة عشرة : الذين أنعمت عليهم : قال ابن عباس : هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون . وقيل : المؤمنون وقيل الصحابة ، وقيل قوم موسى وعيسى قبل أن يغيروا ، والأوّل أرجح لعمومه ، ولقوله : { مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ } [ النساء : 69 ] . الفائدة السابعة عشرة : إعراب غير المغضوب بدل ، ويبعد النعت لأن إضافته غير مخصوصة وهو قد جرى عن معرفة وقرئ بالنصب على الاستثناء أو الحال . الفائدة الثامنة عشرة : إسناد أنعمت عليهم إلى الله . والغضب لما لم يسم فاعله على وجه التأدب : كقوله : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] وعليهم أوّل في موضع نصب ، والثاني في موضع رفع . الفائدة التاسعة عشرة : المغضوب عليهم اليهود ، والضالين : النصارى ، قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما ، وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل ذلك عام في كل مغضوب عليه ، وكل ضال ، والأول أرجح لأربعة أوجه روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وجلالة قائله وذكر ولا في قوله : ولا الضالين دليل على تغاير الطائفتين وأن الغضب صفة اليهود في مواضع من القرآن : كقوله { فَبَآءُو بِغَضَبٍ } [ البقرة : 90 ] ، والضلال صفة النصارى لاختلاف أقوالهم الفاسدة في عيسى بن مريم عليه السلام ، ولقول الله فيه : { قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [ المائدة : 77 ] . الفائدة العشرون : هذه السورة جمعت معاني القرآن العظيم كله فكأنها نسخة مختصرة منه فتأملها بعد تحصيل الباب السادس من المقدّمة الأول تعلم ذلك في الألوهية حاصلاً في قوله : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ، والدار الآخرة : في قوله مالك يوم الدين ، والعبادات كلها من الاعتقادات والأحكام التي تقتضيها الأوامر والنواهي في قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } والشريعة كلها في قوله : الصراط المستقيم ، والأنبياء وغيرهم في قوله الذين أنعمت عليهم ، وذكر طوائف الكفار في قوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين . خاتمة : أمر بالتأمين عند خاتمة الفاتحة للدعاء الذي فيها ، وقولك : آمين اسم فعل معناه : اللهم استجب ، وقيل : هو من أسماء الله ، ويجوز فيه مدّ الهمزة وقصرها ، ولا يجوز تشديد الميم ، وليؤمن في الصلاة المأموم والفذ والإمام إذا أسرّ ، واختلفوا إذا جهر .