Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 112, Ayat: 1-4)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن " فقيل : إن ذلك في الثواب ، أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن ، وقيل : إن ذلك فيما تضمنته من المعاني والعلوم ؛ وذلك أن علوم القرآن ثلاثة : توحيد وأحكام وقصص ، وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار ، وهذا أظهر وعليه حمل ابن عطية الحديث . ويؤيده أن في بعض روايات الحديث : " إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء ، فجعل قل هو الله أحد جزءاً من أجزاء القرآن " وأخرج النسائي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرؤها فقال : أما هذا فقد غفر له " وفي رواية أنه قال : " وجبت له الجنة " ، وأخرج مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في الصلاة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمٰن فأنا أحب أن أقرأها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه " وفي رواية خرّجها الترمذي " أنه صلى الله عليه وسلم قال للرجل : حبك إياها أدخلك الجنة " وخرّج الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } مائة مرة كل يوم غفرت له ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين . { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الضمير هنا عند البصريين ضمير الأمر والشأن والذي يراد به التعظيم والتفخيم ، وإعرابه مبتدأ وخبره الجملة التي بعده وهي المفسرة له ، والله مبتدأ وأحد خبره . وقيل : الله هو الخبر وأحد بدل منه وقيل : الله بدل وأحد هو الخبر . وأحد له معنيان أحدهما أن يكون من أسماء النفي التي لا تقع إلا في غير الواجب كقولك : ما جاءني أحد وليس هذا موضع هذا المعنى وإنما موضعه قوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } والآخر أن يكون بمعنى واحد وأصله واحد بواو ثم أبدل من الواو همزة وهذا هو المراد هنا . واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى . الأول : أنه واحد لا ثاني معه فهو نفي للعدد . والثاني : أنه واحد لا نظير ولا شريك له كما تقول : فلان واحد عصره أي لا نظير له . والثالث : أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض ، والأظهر أن المراد في السورة نفي الشريك لقصد الرد على المشركين ومنه قوله تعالى : { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ البقرة : 163 ] قال الزمخشري : أحد وصفُ بالوحدانية ونفي الشركاء . قلت : وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته وذلك في القرآن كثير جداً أوضحها أربعة براهين : الأول قوله : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] لأنه إذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات لم يمكن أن يكون واحد منها شريكاً له ، والثاني قوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] والثالث قوله : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] والرابع قوله : { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ المؤمنون : 91 ] وقد فسرنا هذه الآيات في مواضعها وتكلمنا على حقيقة التوحيد في قوله : { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ البقرة : 163 ] . { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } في معنى الصمد ثلاثة أقوال : أحدها : أن الصمد الذي يُصمَد إليه في الأمور أي يلجأ إليه . والآخر : أنه لا يأكل ولا يشرب فهو كقوله : { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } [ الأنعام : 14 ] والثالث : أنه الذي لا جوف له ، والأول هو المراد هنا على الأظهر ، ورجحه ابن عطية بأن الله موجد الموجودات وبه قوامها ، فهي مفتقرة إليه أي تصمد إليه إذ لا تقوم بأنفسها . ورجّحه شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير لورود معناه في القرآن حيثما ورد نفي الولد عن الله تعالى كقوله في مريم " وقالوا اتخذ الله ولداً " ثم أعقبه بقوله : { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] وقوله : { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } [ الأنعام : 101 ] وقوله : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ البقرة : 116 ] وكذلك هنا ذكره مع قوله لم يلد فيكون برهاناً على نفي الولد ، قال الزمخشري : صمد فَعَل بمعنى مفعول لأنه مصمود إليه في الحوائج . { لَمْ يَلِدْ } . هذا ردّ على كل من جعل لله ولداً فمنهم النصارى في قولهم : " عيسى ابن الله " واليهود في قولهم : " عزيز ابن الله " والعرب في قولهم : " الملائكة بنات الله " وقد أقام الله البراهين في القرآن على نفي الولد ، وأوضحها أربعة أقوال : الأول : أن الولد لا بد أن يكون من جنس والده . والله تعالى ليس له جنس فلا يمكن أن يكون له ولد وإليه الإشارة بقوله تعالى : { مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } [ المائدة : 75 ] فوصفهما بصفة الحدوث لينفي عنهما صفة القدم فتبطل مقالة الكفار . والثاني : أن الوالد إنما يتخذ ولداً للحاجة إليه ، والله لا يفتقر إلى شيء فلا يتخذ ولداً وإلى هذا أشار بقوله : { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } [ يونس : 68 ] الثالث : أن جميع الخلق عباد الله والعبودية تنافي النبوة وإلى هذا أشار بقوله تعالى : { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] الرابع أنه لا يكون له ولد إلا لمن له زوجة ، والله تعالى لم يتخذ زوجة فلا يكون له ولد وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى : { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ } [ الأنعام : 101 ] . { وَلَمْ يُولَدْ } هذا رد على الذين قالوا : أنسب لنا ربك ، وذلك أن كل مولود محدث ، والله تعالى هو الأول الذي لا افتتاح لوجوده ، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره ، فلا يمكن أن يكون مولوداً تعالى عن ذلك . { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } الكفؤ هو النظير والمماثل قال الزمخشري : يجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح ، فيكون نفياً للصاحبة . وهذا بعيد والأول هو الصحيح ومعناه أن الله ليس له نظير ولا شبيه ولا مثيل ، ويجوز في كفوءاً ضم الفاء وإسكانها مع ضم الكاف . وقد قرئ بالوجهين ويجوز أيضاً كسر الكاف وإسكان الفاء ، ويجوز كسر الكاف وفتح الفاء والمدّ ويجوز فيه الهمزة والتسهيل وانتصب كفواً على أنه خبر كان ، وأحد اسمها ، قال ابن عطية : ويجوز أن يكون كفواً حالها لكونه كان صفة للنكرة فقدم عليها ، فإن قيل : لم قدَّم المجرور وهو له على اسم كان وخبرها ، وشأن الظرف إذا وقع غير خبر أن يؤخر ؟ فالجواب : من وجهين : أحدهما : أنه قدم للاعتناء به والتعظيم ، لأنه ضمير الله تعالى وشأن العرب تقديم ما هو أهم وأولى . والآخر : أن هذا المجرور به يتم معنى الخبر وتكمل فائدته ، فإنه ليس المقصود نفي الكفؤ مطلقاً إنما المقصود نفي الكفؤ عن الله تعالى ، فلذلك اعتنى بهذا المجرور الذي يحرز هذا المعنى ، فقدم . فإن قيل : إن قوله : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يقتضي نفي الولد والكفؤ فلم نص على ذلك بعده ؟ فالجواب : أن هذا من التجريد ، وهو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في عموم ما تقدم ، كقوله تعالى : { وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ } [ البقرة : 98 ] ويفعل ذلك لوجهين يصح كل واحد منهما هنا ؛ أحدهما : الإعتناء ، ولا شك أن نفي الولد والكفؤ عن الله ينبغي الاعتناء به للرد على من قال خلاف ذلك من الكفار . والآخر : الإيضاح والبيان ، فإن دخول الشيء في ضمن العموم ليس كالنص عليه فنص على هذا بياناً ، وإيضاحاً للمعنى ومبالغة في الرد على الكفار ، وتأكيداً لإقامة الحجة عليهم .