Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 113, Ayat: 1-5)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } تقدم معنى أعوذ في التعوذ ومعنى رب في اللغات والفاتحة ، وفي الفلق ثلاثة أقوال : الأول : أنه الصبح ومنه فالق الإصباح قال الزمخشري : هو فعل بمعنى مفعول ، الثاني : أنه كل ما يفلقه الله كفلق الأرض عن النبات والجبال عن العيون ، والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد والحب والنوى وغير ذلك ، الثالث : أنه جُبٌ في جهنم . وقد رُوي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } هذا عموم في جميع المخلوقات وشرهم على أنواع كثيرة ، أعاذنا الله منها . وما هنا موصولة أو موصوفة أو مصدرية { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } فيه سبعة أقوال ، الأول : أنه الليل إذا أظلم ومنه قوله تعالى : { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } [ الإسراء : 78 ] وهذا قول الأكثرين ، وذلك ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإنس والجن ، ولذلك قال في المثل : الليل أخفى للويل . الثاني : أنه القمر . خرَّج النسائي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى القمر فقال : يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا ، فإنه الغاسق إذا وقب " ووقوبه هذا كسوفه ، لأن وقب في كلام العرب يكون بمعنى الظلمة والسواد وبمعنى الدخول فالمعنى إذا دخل في الكسوف أو إذا أظلم به . الثالث : أنه الشمس إذا غربت والوقوب على هذا المعنى الظلمة أو الدخول . الرابع : أن الغاسق النهار إذا دخل في الليل ، وهذا قريب من الذي قبله ، الخامس : أن الغاسق سقوط الثريا وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : النجم هو الغاسق فيحتمل أن يريد الثريا السادس : قال الزمخشري : يجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقبه ضربه السابع : أنه إبليس حكى ذلك السهيلي { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } النفث شبه النفخ دون تفل وريق قاله ابن عطية ، وقال الزمخشري : هو النفخ مع ريق وهذا النفث ضرب من السحر وهو : أن ينفث على عقد تعقد في خيط أو نحوه على اسم مسحور فيضره ذلك ، وحكى ابن عطية أنه حدثه ثقة أنه رأى عند بعض الناس بصحراء المغرب خيطاً أحمر قد عقدت فيه عقد على فُصْلان وهي أولاد الإبل فمنعها بذلك من رضاع أمهاتها ، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه فرضع في الحين قال الزمخشري : إن في الاستعاذة من النفاثات ثلاثة أوجه : أحدها : أن يستعاذ من مثل عملهن وهو السحر ، من ائتمن في ذلك . والثاني : أن يستعاذ من خداعهن للناس وفتنتهن والثالث : أن يستعاذ مما يصيب من الشر عند نفثهن . والنفاثات بناء مبالغة والموصوف محذوف تقديره : النساء النفاثات ، والجماعة النفاثات ، أو النفوس النفاثات ، والأول أصح لأنه روي أنه إشارة إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي ، وكنَّ ساحرات سحرن هن وأبوهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقدن له إحدى عشر عقدة ، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشر آية بعدد العقد وشفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن قيل : لم عرّف النفاثات بالألف واللام ونكر ما قبله وهو غاسق وما بعده وهو حاسد مع أن الجميع مستعاذ منه ؟ فالجواب : أنه عرف النفاثات ليفيد العموم لأنه كل نفاثة شريرة بخلاف الغاسق والحاسد فإن شرهما في بعض دون البعض . { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الحسد خُلُق مذموم طبعاً وشرعاً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " وقال بعض العلماء : الحسد أول معصية عُصِيَ الله بها في السماء والأرض أما في السماء فحسد إبليس لآدم وأما في الأرض فقتل قابيل لأخيه هابيل بسبب الحسد ، ثم إن الحسد على درجات . الأولى : أن يحب الإنسان زوال النعمة عن أخيه المسلم وإن كانت لا تنتقل إليه بل يكره إنعام الله على غيره ويتألم به . الثانية : أن يحب زوال تلك النعمة لرغبته فيها وجاء انتقالها إليه . الثالثة : أن يتمنى لنفسه مثل تلك النعمة من غير أن يحب زوالها عن غيره وهذا جائز وليس بحسد وإنما هو غبطة . والحاسد يضر نفسه ثلاث مضرات : أحدها : اكتساب الذنوب لأن الحسد حرام . الثانية : سوء الأدب مع الله تعالى ، فإن حقيقة الحسد كراهية إنعام الله على عبده واعتراض على الله في فعله . الثالثة : تألم قلبه من كثرة همه وغمه . فنرغب إلى الله أن يجعلنا محسودين لا حاسدين ، فإن المحسود في نعمة والحاسد في كرب ونقمة ، والله در القائل : @ وإني لأرحم حسَّادي لفرط ما ضمَّت صدورهمُ من الأوغار نظروا صنيع الله بي فعيونهم في جنة وقلوبهم في نار @@ وقال آخر : @ إن يحسدوني فإني غيرُ لائمهم قبلي من الناس أهلَ الفضل قد حسدوا فدام لي ولهم ما بي وما بِهمُ وماتَ أكثرنا غيظاً بما يجدُ @@ ثم إن الحسود لا تزال عداوته ولا تنفع مداراته وهو ظالم يشاكي كأنه مظلوم ، ولقد صدق القائل : @ كل العداوة قد ترجى إزالتها إلا عداوة من عاداك من حسد @@ وقال حكيم الشعراء : @ وأظلم خلق الله من بات حاسداً لمن بات في نعمائه يتقلب @@ قال ابن عطية : قال بعض الحذاق : هذه السورة خمس آيات وهي مراد الناس بقولهم للحاسد الذي يخاف منه العين : الخمسة على عينك ، فإن قيل : إذا وقب ، وإذا حسد فقيد بإذا التي تقتضي تخصيص بعض الأوقات ؟ فالجواب : أن شر الحاسد ومضرته إنما تقع إذا أمضى حسده ، فحيئنذ يضر بقوله أو بفعله أو بإصابته بالعين ، فإن عين الحسود قاتلة . وأما إذا لم يمض حسده ولم يتصرف بمقتضاه فشره ضعيف ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث لا ينجو منهن أحد : الحسد والظن والطيرة فمخرجه من الحسد أن لا يبقى ومخرجه من الظن أن لا يحقق ومخرجه من الطيرة ألا يرجع ، فلهذا خصه بقوله إذا وقب ، فإن قيل : إن قوله من شر ما خلق عموم يدخل تحته كل ما ذكر بعده فلأي شيء ذكر ما بعده ؟ فالجواب : أن هذا من التجريد للاعتناء بالمذكور بعد العموم ، ولقد تأكد ما ذكر في هذه السورة بعد العموم بسبب السحر الذي سحر اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة حسدهم له .