Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 1-2)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤمۤ } اختلف فيه وفي سائر حروف الهجاء في أوائل حروف السور ، وهي : المص ، والر ، والمر ، وكهيعص ، وطه ، وطسم ، وطس ، ويس ، وص ، وق ، وحم ، وحم عسق ، ون . فقال قوم : لا تفسر لأنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ، قال أبو بكر الصديق : لله في كل كتاب سرّ ، وسرّه في القرآن فواتح السور ، وقال قوم تفسر ، ثم اختلفوا فيها ، فقيل : هي أسماء الله ، وقيل : أشياء أقسم الله بها ، وقيل : هي حروف مقطعة من كلمات : فالألف من الله ، واللام من جبريل ، والميم من محمد صلى الله عليه وسلم ، ومثل ذلك في سائرها ، وإعراب هذه الحروف يختلف بالاختلاف في معناها ؛ فيتصور أن تكون في موضع رفع أو نصب أو خفض . فالرفع على أنها مبتدأ أو خبر ابتداء مضمر ، والنصب على أنها مفعول بفعل مضمر ، والخفض على قول من جعلها مقسماً بها كقولك : اللّهِ لأفعلن { ذَلِكَ ٱلْكِتَٰبُ } هو هنا القرآن ، وقيل : التوراة والإنجيل ، وقيل : اللوح المحفوظ وهو الصحيح الذي يدل عليه سياق الكلام ويشهد له مواضع من القرآن . والمقصود منها إثبات أن القرآن من عند الله كقوله : { تَنزِيلُ ٱلْكِتَٰبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ السجدة : 2 ] يعني القرآن باتفاق ، وخبر ذلك : لا ريب فيه ، وقيل : خبره الكتاب فعلى هذا { ذَلِكَ ٱلْكِتَٰبُ } جملة مستقلة فيوقف عليه { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي : لا شك أنه من عند الله في نفس الأمر في اعتقاد أهل الحق ، ولم يعتبر أهل الباطل ، وخبر لا ريب : فيه ، فيوقف عليه ، وقيل : خبرها محذوف فيوقف على { لاَ رَيْبَ } . والأول أرجح لتعيّنه في قوله : { لاَ رَيْبَ } في مواضع أخر . فإن قيل : فهلا قدم قوله فيه على الريب كقوله : { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } [ الصافات : 47 ] فالجواب : أنه إنما قصد نفي الريب عنه . ولو قدم فيه : لكان إشارة إلى أن ثمّ كتاب آخر في ريب ، كما أن " لا غول فيها " إشارة إلى أن خمر الدنيا فيها غول ، وهذا المعنى يبعد قصده فلا يقدم الخبر . { هُدًى } هنا بمعنى الإرشاد لتخصيصه بالمتقين ، ولو كان بمعنى البيان لعم كقوله : { هُدًى لِّلنَّاسِ } . وإعرابه : خبر ابتداء ، أو مبتدأ وخبره : فيه ، عندما يقف على لا ريب ، أو منصوب على الحال والعامل فيه الإشارة { لِّلْمُتَّقِينَ } مفتعليِن من التقوى ، وقد تقدّم معناه في الكتاب ، فنتكلم عن التقوى في ثلاثة فصول . الأول : في فضائلها المستنبطة من القرآن ، وهي خمس عشرة : الهدى كقوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] والنصرة ، لقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } [ النحل : 128 ] والولاية لقوله : { وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الجاثية : 19 ] والمحبة لقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ براءة : 4 ] والمغفرة لقوله : { إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } [ الأنفال : 29 ] والمخرج من الغم والرزق من حيث لا يحتسب لقوله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [ الطلاق : 2 ] الآية وتيسير الأمور لقوله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } [ الطلاق : 4 ] وغفران الذنوب وإعظام الأجور لقوله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } [ الطلاق : 5 ] وتقبل الأعمال لقوله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 27 ] والفلاح لقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ البقرة : 189 ] والبشرى لقوله : { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ يونس : 64 ] ودخول الجنة لقوله : { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [ القلم : 34 ] والنجاة من النار لقوله : { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } [ مريم : 72 ] . الفصل الثاني : البواعث على التقوى عشرة : خوف العقاب الأخروي ، وخوف العقاب الدنيوي ، ورجاء الثواب الدنيوي ، ورجاء الثواب الأخروي ، وخوف الحساب ، والحياء : من نظر الله ، وهو مقام المراقبة ، والشكر على نعمه بطاعته ، والعلم لقوله : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] وتعظيم جلال الله ، وهو مقام الهيبة ، وصدق المحبة لقول القائل : @ تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع @@ ولله در القائل : @ قالت وقد سألت عن حال عاشقها : لله صفه ولا تنقص ولا تزد فقلت : لو كان يظن الموت من ظمإ وقلت : قف عن ورود الماء لم يرد @@ الفصل الثالث : درجات التقوى خمس : أن يتقي العبد الكفر ، وذلك مقام الإسلام ، وأن يتقي المعاصي والحرمات وهو مقام التوبة ، وأن يتقي الشبهات ، وهو مقام الورع ، وأن يتقي المباحات وهو مقام الزهد ، وأن يتقي حضور غير الله على قلبه ، وهو مقام المشاهدة .