Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 285-286)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ آمَنَ ٱلرَّسُولُ } الآية سببها ما تقدّم في حديث أبي هريرة : لما قالوا سمعنا وأطعنا مدحهم الله بهذه الآية ، وقدّم ذلك قبل كشف ما شق عليهم { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } عطف على الرسول أو مبتدأ ، فعلى الأوّل يوقف على المؤمنون وعلى الثاني يوقف على من ربّه والأوّل أحسن { كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ } إن كان المؤمنون معطوفاً فكل عموم في الرسول والمؤمنون ، وإن كان مبتدأ فكل عموم في المؤمنين ووحد الضمير في آمن على معنى أن كل واحد منهم آمن { وَكُتُبِهِ } قرئ بالجمع أي كل كتاب أنزله الله ، وقرئ بالتوحيد يريد القرآن أو الجنس { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } التقدير يقولون : لا نفرّق ، والمعنى : لا نفرق بين أحد من الرسل وبين غيره في الإيمان بل نؤمن بجميعهم ، ولسنا كاليهود والنصارى الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } حكاية عن قول المؤمنين على وجه المدح لهم { غُفْرَانَكَ } مصدر ، والعامل فيه مضمر ونصبه على المصدرية تقديره اغفر غفرانك ، وقيل على المفعولية تقديره : نطلب غفرانك { وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } إقرار بالبعث مع تذلل وانقياد ، وهنا تمت حكاية كلام المؤمنين { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } إخبار من الله تعالى برفع تكليف ما لا يطاق ، وهو جائز عقلاّ عند الأشعرية ومحال عقلاً عند المعتزلة ، واتفقوا على أنه لم يقع في الشريعة { لَهَا مَا كَسَبَتْ } أي من الحسنات { وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } أي من السيئات ، وجاءت العبارة بلها في الحسنات لأنها مما ينتفع بالعبد به ، وجاءت بعليها في السيئات لأنها مما يضر العبد ، وإنما قال في الحسنات كسبت وفي الشرّ اكتسبت ، لأنّ في الاكتساب ضرب من الاعتمال والمعالجة ، حسبما تقتضيه صيغة افتعل فالسيئات فاعلها يتكلف مخالفة أمر الله ، ويتعدّاه بخلاف الحسنات ، فإنه فيها على الجادّة من غير تكلف أو لأنّ السيئات يجدّ في فعلها لميل النفس إليها ، فجعلت لذلك مكتسبة ، ولما لم يكن الإنسان في الحسنات كذلك : وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } أي قولوا ذلك في دعائكم ويحتمل أن يكون ذلك من بقية حكاية قولهم كما حكى عنهم قولهم : سمعنا وأطعنا ، والنسيان هنا هو ذهول القلب على الإنسان ، والخطأ غير العمد فذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان " وقد كان يجوز أن يأخذ به لولا أنّ الله رفعه { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً } التكاليف الصعبة ، وقد كانت لمن تقدّم من الأمم كقتل أنفسهم ، وقرض أبدانهم ، ورفعت عن هذه الأمة . قال تعالى { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } [ الأعراف : 157 ] وقيل الإصر المسخ قردة وخنازير { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } هذا الدعاء دليل على جواز تكليف ما لا يطاق لأنه لا يدعى برفع ما لا يجوز أن يقع . ثم إنّ الشرع دفع وقوعه . وتحقيق ذلك أنّ ما لا يطاق . أربعة أنواع : الأول : عقلي محض : كتكليف الإيمان لمن علم الله أنه لا يؤمن . فهذا جائز وواقع بالاتفاق . والثاني : عاديّ كالطيران في الهواء . والثالث : عقلي وعادي : كالجمع بين الضدّين ، فهذان وقع الخلاف في جواز التكليف بهما ، والاتفاق على عدم وقوعه ، والرابع تكليف ما يشق ويصعب ، فهذا جائز اتفاقاً ، فقد كلفه الله من تقدّم من الأمم ، ورفعه عن هذه الأمّة { وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ } ألفاظ متقاربة المعنى وبينها من الفرق أنّ العفو ترك المؤاخذة بالذنب ، والمغفرة تقتضي مع ذلك الستر ، والرحمة تجمع ذلك مع التفضيل بالإنعام { مَوْلَٰنَا } ولينا وسيدنا .