Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 78-82)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } كان داود نبياً ملكاً ، وكان ابنه سليمان ابن أحد عشر عاماً { فِي ٱلْحَرْثِ } قيل : زرع ، وقيل : كرم والحرث يقال فيهما { إِذْ نَفَشَتْ } رعت فيه بالليل { لِحُكْمِهِمْ } الضمير لداود وسليمان والمتخاصمين ، وقيل لداود وسليمان خاصة ، على أن يكون أقل الجمع اثنان { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } تخاصم إلى { دَاوُودَ } رجلان دخلت غنم أحدهما على زرع الآخر بالليل فأفسدته فقضى { دَاوُودَ } بأن يأخذ صاحب الزرع الغنم ، ووجه هذا الحكم أن قيمة الزرع كانت مثل قيمة الغنم ، فخرج الرجلان على سليمان وهو بالباب ، فأخبراه بما حكم به أبوه ، فدخل عليه فقال : يا نبيّ الله لو حكمت بغير هذا كان أرفق للجميع ، قال وما هو ؟ قال يأخذ صاحب الغنم الأرض ليصلحها حتى يعود زرعها كما كان ، ويأخذ صاحب الزرع الغنم وينتفع بألبانها وصوفها ونسلها ، فإذا أكمل الزرع ردت الغنم إلى صاحبها ، والأرض بزرعها إلى ربها ، فقال له داود : وفقت يا بنيّ ، وقضى بينهما بذلك ، ووجه حكم سليمان أنه جعل الانتفاع بالغنم بإزاء ما فات من الزرع ، وواجب على صاحب الغنم أن يعمل في الحرث حتى يزول الضرر والنقصان ، ويحتمل أن يكون ذلك إصلاحاً لا حكماً . واختلف الناس هل كان حكمهما بوحي أو اجتهاد ؟ فمن قال كان باجتهاد أجاز الاجتهاد للأنبياء ، وروي أن داود رجع عن حكمه لما تبين له أن الصواب خلافه ، وقد اختلف في جواز الاجتهاد في حق الأنبياء ، وعلى القول بالجواز اختلف ، هل وقع أم لا ؟ وظاهر قوله : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } : أنه كان اجتهاد فخص الله به سليمان ففهم القضية ، ومن قال : كان بوحي ، جعل حكم سليمان ناسخاً لحكم داود . وأما حكم إفساد المواشي الزرع في شرعنا ، فقال مالك والشافعي : يضمن أرباب المواشي ما أفسدت بالليل دون النهار للحديث الوارد في ذلك ، وعلى هذا يدل حكم داود وسليمان ، لأن النفش لا يكون إلا بالليل ، وقال أبو حنيفة : لا يضمن ما أفسدت بالليل ولا بالنهار ، لقول صلى الله عليه وسلم : " العجماء جرحها جبار " { آتَيْنَاه حُكْماً وَعِلْماً } قيل : يعني في هذه النازلة ، وأن داود لم يخطىء فيها ، ولكنه رجع إلى ما هو أرجح ، ويدل على هذا القول أن كل مجتهد مصيب ، وقيل : بل يعني حكماً وعلماً في غير هذه النازلة ، وعلى هذا القول فإنه أخطأ فيها ، وأن المصيب واحد من المجتهدين { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ } كان هذا التسبيح قول سبحان الله ، وقيل : الصلاة معه إذا صلى ، وقدم الجبال على الطير ، لأن تسبيحها أغرب إذ هي جماد { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } أي قادرين على أن نفعل هذا . وقال ابن عطية : معناه كان ذلك في حقه لأجل أن داود استوجب ذلك مناصفة كذا ! { صَنْعَةَ لَبُوسٍ } يعني دروع الحديد ، وأول من صنعها داود عليه السلام ، وقال ابن عطية اللبوس في اللغة : السلاح وقال الزمخشري : اللبوس اللباس { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } أي لتقيكم في القتال وقرىء بالياء والتاء والنون ، فالنون لله تعالى ، والتاء للصنعة ، والياء لداود أو للبوس { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } لفظ استفهام ، ومعناه استدعاء إلى الشكر { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً } عطف الريح على الجبال ، والعاصفة هي الشديدة فإن قيل : كيف يقال عاصفة ؟ وقال في [ ص : 36 ] { رُخَآءً } أي لينة ؟ فالجواب : أنها كانت في نفسها لينة طيبة ، وكانت تسرع في جريها كالعاصف فجمعت الوصفين ، وقيل : كانت رخاء في ذهابه ، وعاصفة في رجوعه إلى وطنه ، لأن عادة المسافرين الإسراع في الرجوع ؛ وقيل : كانت تشتدّ إذا رفعت البساط وتلين إذا حملته { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } يعني أرض الشام ، وكانت مسكنه وموضع ملكه ، فخص في الآية الرجوع إليها لأنه يدل على الانتقال منها { يَغُوصُونَ لَهُ } أي يدخلون في الماء ليستخرجوا له الجواهر من البحار { عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ } أقل من الغوص كالبنيان والخدمة { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } أي نحفظهم عن أن يزيغوا عن أمره ، أو نحفظهم من إفساد ما صنعوه ، وقيل : معناه عالمين بعددهم .