Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 2-3)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } الزانية والزاني يراد بهما الجنس ، وقدم الزانية لأن الزنا كان حينئذ في النساء أكثر ، فإنه كان منهنّ إماء وبغايا يجاهرن بذلك ، وإعراب الزاني والزانية كإعراب : السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، وقد ذكر في [ المائدة : 38 ] وهذه الآية ناسخة بإجماع لما في سورة [ النساء : 14 ] من الإمساك في البيوت ، في الآية الواحدة ومن الأذى في الأخرى ، ثم إن لفظ هذه الآية عند مالك ليس على عمومه ، فإن جلد المائدة إنما هو حدّ الزاني والزانية إذا كانا مسلمين حرين غير محصنين ، فيخرج منها الكفار ، فيردّون إلى أهل دينهم ، ويخرج منها العبد والأمة والمحصن والمحصنة ، فأما العبد والأمة : فحدّهما خمسون جلدة سواء كانا محصنين أو غير محصنين ، وأما المحصنان الحران فحدّهما الرجم هذا على مذهب مالك . وأما الكلام على الآية بالنظر إلى سائر المذاهب ، فاعلم أن لفظ هذه الآية ظاهره العموم في المسلمين والكافرين ، وفي الأحرار والعبيد والإماء وفي المحصن وغير المحصن ، ثم إن العلماء خصصوا من هذا العموم أشياء منها باتفاق ، ومنها باختلاف ، فأما الكفار فرأى أبو حنيفة وأهل الظاهر أن حدّهم جلد مائة أحصنوا أو لم يحصنوا : أخذاً بعموم الآية ، ورأى الشافعي أن حدهم كحد المسلمين الجلد إن لم يحصنوا ، والرجم إن أحصنوا أخذاً بالآية ، وبرجم النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي واليهودية إذ زنيا ، ورأى مالك أن يردّوا إلى أهل دينهم لقوله تعالى : في سورة النساء { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ } [ النساء : 15 ] فخص نساء المسلمين على أنها قد نسختها هذه . ولكن بقيت في محلها ، وأما العبد والأمة : فرأى أهل الظاهر أن حدّ الأمة خمسون جلدة لقوله تعالى : { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [ النساء : 25 ] وأن حدّ العبد الجلد مائة لعموم الآية ، وقال غيرهم : يجلد العبد خمسين بالقياس على الأمة ، إذ لا فرق بينهما ، وأما المحصن فقال الجمهور : حدّه الرجم فهو مخصوص في هذه الآية ، وبعضهم يسمي هذا التخصيص نسخاً ، ثم اختلفوا في المخصص أو الناسخ ، فقيل : الآية التي ارتفع لفظها وبقي حكمها وهي قوله : { الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم } وقيل : الناسخ لها السنة الثابتة في الرجم ، وقال أهل الظاهر وعلي بن أبي طالب : يجلد المحصن بالآية ، ثم يرجم بالسنة فجمعوا عليه الحدّين ، ولم يجعلوا الآية منسوخة ، ولا مخصصة ، وقال الخوارج : لا رجم أصلاً فإن الرجم ليس في كتاب الله ، ولا يعتد بقولهم ، وظاهر الآية الجلد دون تغريب ، وبذلك قال أبو حنيفة ، وقال مالك : الجلد والتغريب سنة للحديث ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " ، ولا تغريب على النساء ولا على العبيد عند مالك ، وصفة الجلد عند مالك في الظهر والمجلود جالس وقال الشافعي : يفرق على جميع الأعضاء والمجلود قائم ، وتستر المرأة بثوب لا يقيها الضرب ، ويجرّد الرجل عند مالك وقال قوم يجلد على قميص { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } قيل : يعني في إسقاط الحدّ : أي أقيموه ولا بد ، وقيل : في خفيف الضرب ، وقيل : في الوجهين . فعلى القول الأول : يكون الضرب في الزنا كالضرب في القذف غير مبرح ، وهو مذهب مالك والشافعي ، وعلى القول الثاني والثالث : يكون الضرب في الزنا أشد ، واختلف : هل يجوز أن يجمع مائة سوط يضرب بها مرة واحدة ؟ فمنعه مالك وأجازه أبو حنيفة لما ورد في قصة أيوب عليه السلام ، وأجازه الشافعي للمريض لورود ذلك في الحديث . { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } المراد بذلك توبيخ الزناة والغلظة عليهم ، واختلف في أقل ما يجزىء من الطائفة فقيل : أربعة اعتباراً بشهادة الزنا وهو قول ابن أبي زيد ، وقيل : عشرة ، وقيل : اثنين وهو مشهور مذهب مالك ، وقيل : واحد { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } الآية : معناها ذم الزناة وتشنيع الزنا ، وأنه لا يقع فيه إلا زان أو مشرك ولا يوافقه عليه من النساء إلا زانية أو مشركة ، وينكح على هذا بمعنى يجامع ، وقيل : معناها لا يحل لزان أن يتزوج إلا زانية أو مشركة ، ولا يحل لزانية أن تتزوج إلا زانياً أو مشركاً ، ثم نسخ هذا الحكم وأبيح لهما التزوج ممن شاؤوا ، والأول هو الصحيح { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } الإشارة بذلك إلى الزنا أي حرم الزنا أي على المؤمنين وقيل : الإشارة إلى تزوج المؤمن غير الزاني بزانية ، فإن قوماً منعوا أن يتزوجها ، وهذا على القول الثاني في الآية قبلها وهو بعيد ، وأجاز تزويجها مالك وغيره ، وروي عنه كراهته .