Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 30-31)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } إعرابها كإعراب { يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } في [ إبراهيم : 31 ] وقد ذكر ومن أبصارهم للتبعيض ، والمراد غض البصر عما يحرم ، والاقتصار به على ما يحل ، وقيل : معنى التبعيض فيه أن النظرة الأولى لا حرج فيها ، ويمنع ما بعدها ، وأجاز ( الأخفش ) أن تكون من زائدة ، وقيل : هي لابتداء الغاية ، لأن البصر مفتاح القلب والغض المأمور به هو عن النظر إلى العورة ، أو إلى ما لا يحل من النساء ، أو إلى كتب الغير وشبه ذلك مما يستر ، وحفظ الفروج المأمور به : هو عن الزنا ، وقيل : أراد ستر العورة ، والأظهر أن الجميع مراد { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } تؤمر المرأة بغض بصرها عن عورة الرجل وعن عورة المرأة إجماعاً ، واختلف هل يجب عليها غض بصرها عن سائر جسد الرجل الأجنبي أم لا ، وعن سائر جسد المرأة أم لا ، فعلى القول بذلك تشتمل الآية عليه ، والكلام في حفظ فروج النساء كحفظ فروج الرجال { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } نهى عن إظهار الزينة بالجملة ثم استثنى الظاهر منها ، وهو ما لا بد من النظر إليه عند حركتها أو إصلاح شأنها وشبه ذلك ، فقيل : إلا ما ظهر منها يعني الثياب ؛ فعلى هذا يجب ستر جميع جسدها ، وقيل : الثياب والوجه والكفان ، وهذا مذهب مالك لأنه أباح كشف وجهها وكفيها في الصلاة ، وزاد أبو حنيفة القدمين { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } الجيوب هي التي يقول لها العامة أطواق ، وسببها أن النساء كن في ذلك الزمان يلبسن ثياباً واسعات الجيوب ، يظهر منها صدورهن ، وكن إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة ، سدلنها ، من وراء الظهر ، فيبقى الصدر والعنق والأذنان لا ستر عليها ، فأمرهن الله بلي الأخمرة [ جمع خمار ] على الجيوب ليستر جميع ذلك { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ } الآية : المراد بالزينة هنا الباطنة ، فلما ذكر في الآية قبلها ما أباح أن يراه غير ذوي المحرم من الزينة الظاهرة ، وذكر في هذه ما أباح أن يراه الزوج وذوي المحارم من الزينة الباطنة ، وبدأ بالبعولة وهم الأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا ، ثم ثنّى بذوي المحارم وسوّى بينهم في إبداء الزينة ، ولكن مراتبهم تختلف بحسب القرب ، والمراد بالآباء كل من له ولادة من والد وجدّ ، وبالأبناء كل من عليه ولادة من ولد وولد ولد ، ولم يذكر في هذه الآية من ذوي المحارم : العم والخال ومذهب جمهور العلماء جواز رؤيتهما للمرأة ، لأنهما من ذوي المحارم ، وكره ذلك قوم ، وقال الشافعي : إنما لم يذكر العم والخال لئلا يصفا زينة المرأة لأولادهما { أَوْ نِسَآئِهِنَّ } يعني جميع المؤمنات ، فكأنه قال أو صنفهن ويخرج عن ذلك نساء الكفار { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } يدخل في ذلك الإماء المسلمات والكتابيات ، وأما العبيد : ففيهم ثلاثة أقوال : منع رؤيتهم لسيدتهم وهو قول الشافعي ، والجواز : وهو قول ابن عباس وعائشة ، والجواز بشرط أن يكون العبد وغداً وهو مذهب مالك ، وإنما أخذ جوازه من قوله { أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ } واختلف هل يجوز أن يراها عبد زوجها وعبد الأجنبيّ أم لا ؟ على قولين { أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ } شرط في رؤية غير ذوي المحارم شرطين : أحدهما أن يكونا تابعين ، ومعناه أن يتبع لشيء يعطاه كالوكيل والمتصرف ، ولذلك قال بعضهم هو الذي يتبعك وهمه بطنه ، والآخر : أن لا يكون لهم إربة في النساء كالخصي والمخنث والشيخ الهرم والأحمق ، فلا يجوز رؤيتهم للنساء إلا باجتماع الشرطين ، وقيل بأحدهما ، ومعنى الإربة الحاجة إلى الوطء { أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ } أراد بالطفل الجنس ، ولذلك وصفه بالجمع ، ويقال : طفل ما لم يراهق الحلم ، و { يَظْهَرُواْ } معناه يطلعون بالوطء على عورات النساء ، فمعناه الذين لم يطأوا النساء ، وقيل : الذين لا يدرون ما عورات النساء وهذا أحسن { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } روي أن امرأة كان لها خلخالان ، فكانت تضرب بهما ليسمعهما الرجال ، فنهى الله عز وجل عن ذلك ، قال الزجاج : إسماع صوت الزينة أشد تحريكاً للشهوة من إبدائها . { وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } التوبة واجبة على كل مؤمن مكلف بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وفرائضها ثلاثة : الندم على الذنب من حيث عصي به ذو الجلال ، لا من حيث أضر ببدن أو مال ، والإقلاع عن الذنب في أول أوقات الإمكان من غير تأخير ولا توان ، والعزم أن لا يعود إليها أبداً ومهما قضى عليه بالعود أحدث عزماً مجدّداً ، وآدابها ثلاثة : الاعتراف بالذنب مقروناً بالانكسار ، والإكثار من التضرع والاستغفار ، والإكثار من الحسنات لمحو ما تقدم من السيئات ، ومراتبها سبع : فتوبة الكفار من الكفر ، وتوبة المخلطين من الذنوب الكبائر ، وتوبة العدول من الصغائر وتوبة العابدين من الفترات ، وتوبة السالكين من علل القلوب والآفات ، وتوبة أهل الورع من الشبهات ، وتوبة أهل المشاهدة من الغفلات . والبواعث على التوبة سبعة : خوف العقاب ، ورجاء الثواب ، والخجل من الحساب ، ومحبة الحبيب ، ومراقبة الرقيب القريب ، وتعظيم بالمقام ، وشكر الإنعام .